هذا صحيح يا سادة .. نحن هشين لاقصى حد يسهل اختراقنا كثيرا .. يرى البعض ان الجيل الجديد الناشئ افضل حالا .. لكني اشك بذلك.
القصة تبدأ في المدرسة .. وتستمر في البيت .. في المدرسة الطفل لا يمنح الادوات التي تبني لديه القدرة على الحصول على المعلومة .. ولا المهارات اللازمه للتمييز بين المعلومة الصحيحة والخاطئة.
نظامنا التعليمي كاملا بجميع مناهجه مبني على نظرية لا اريكم الا ما ارى ولا اهديكم الا سبل الرشاد .. الطفل تعطى له حقيقه واحده جاهزه قطعية تسير في اتجاه واحد كل ما عداه باطل لا يستحق الاطلاع ولا حتى الدحض.
هذا يغرس ثلاث امور اسوأ من بعضها لدى الطفل .. اولا الحقيقه واضحه وسهله والخلاف ترف وربما شذوذ .. فلا مجال لاي نوع من انواع التعدديه ولا يمكن ان يكون هناك رأي بعضه صحيح وبعضه خاطئ اما الحلول الوسط فهي ببساطة خيانة للمبادئ.
الثاني .. لان الحقيقه سهله وواضحه وقريبة .. فهي لا تحتاج فعليا للتدقيق وتقليب النظر .. الطالب يخرج من مراحل التعليم الاساسي بدون استيعاب حقيقي لما درسه .. فقط قشرة سطحية بدون اي عمق.
الثالث .. الطالب لا يملك وسائل البحث عن المعلومه ونقدها وتمييز الربط المنطقي الصحيح من الخاطئ ولا يستطيع فعليا المقارنة بين الاراء والتفسيرات والمناهج المختلفه فهو لم يتدرب على ذلك مطلقا.
لذا فهو تحت تلك القشرة التي تبدو قاسية من الخارج هش جدا من الداخل .. يسهل تطايره مع الاتجاهات المختلفه بمجرد كسر قشرته الخارجيه فهو لا يملك اطلاعا عميقا ولا قدرة على التمييز.
يتوج ذلك باسلوب تعاملنا مع الاطفال في المنزل .. الاطفال ممنوعين من الحديث في حضرة الكبار .. وحتى لو تحدثوا فآرائهم لا احد يهتم بها ولا يناقشها .. على الطفل السمع والطاعه فقط .. فالكبار يحملون كل حكمة السنين .. بينما هو مجرد طفل لا يعرف شيئا.
هذا يدمر ثقة الطفل في نفسه فينشأ وقد زرع في عقله الباطن انه غير كفؤ للخروج برأيه الخاص .. ليكبر وهو يؤمن انه يجب ان يسير مع القطيع ويدافع عن ذلك بشراسة.
هذا السياق التعليمي والاجتماعي انتج لدينا جيلا هشا .. يسير ضمن القطيع مغمض العينين ويرفض اي نوع من انواع النقاش او الحوار ويعتبر فكرة التعددية خيانة .. لكن التأثير لم يتوقف عند ذلك .. فليس الجميع محصنين من كسر قشرتهم الخارجية.
وهذه اشكالية اكبر .. لانه بمجرد ان يفقد الفرد حصانته الخارجية .. فهو لا يمتلك ادوات التصحيح .. فيندفع ضمن قطيع جديد ضاربا عرض الحائط بكل ما تم حشو رأسه به سنوات طويلة.
لذا من السهل جدا ان ترى من نشأ على سلفية قحة وقد اصبح ملحدا فجأه او اندفع وراء اي من الاطروحات الشاذه او الغريبة او المستهجنه .. فهو ببساطه لا يمتلك ادوات تحليل وتقييم الاراء والتوجهات بحياديه وتوجيهه الاصلي فقد.
اريد ان اضيف ان اكبر عامل في كسر القشرة الخارجية التي وصفتها هو القصص الوعظية الكاذبة .. فتأثيرها مدمر بغض النظر عن اغراض مستخدميها .. البعض يراها اداة يحاول البعض استخدامها لفرض سيطرته على عقل فئة من المجتمع وسلاح لمحاربة تيارات اخرى.
وبالرغم من ان هذا التوصيف يحمل وجاهته الا ان ضرر هذا الفعل بالغ جدا بغض النظر عن اهداف ونوايا مستخدمية .. لنتخيل القصة التالية لنرى مآلاتها.
لنتخيل انني واعظ مخلص النية ارى ان الشباب فيما يخص امر ما .. مهما كان هذا الامر .. امامهم خيارين .. الاول سكة السلامة .. والثاني سكة المصائب والاهوال .. لذا فانا اعمل جاهدا على اقناعهم باتباع سكة السلامة.
لكن مخاطبة عقولهم وطرح الحجج المنطقية والعلمية لا تكفي في نظري لاضمن ان جميعهم سيسلك سكة السلامة .. فسكة الاهوال فيها مغرياتها ولها دعاتها المفسدين اللذين يروجون لها باساليب معسولة ويزينونها في عيون هذا الشباب الغر.
لا تسيؤوا فهمي .. فانا محق .. هي سكة السلامة فعلا .. انا فقط لا اثق بقدرة الشباب على تمييز ذلك .. بالتالي فانا اتبع كل وسيلة ممكنه لترغيب الشباب فيها وتنفيرهم من سكة الندامة.
بما في ذلك الكذب وتأليف القصص عن النهايات الوخيمة لمن خاضوا سكة الاهوال وكيف ان من خاض سكة السلامة حقق كل ما يتمناه المرء في الدنيا والآخرة.
زيد شاب صغير .. سمع حديثي وصدقه واتبع نصائحي ونصائح غيري من المرشدين الصالحين الذين يسعون للحفاظ عليه وايصاله لبر الأمان.
حتى اتى ذلك اليوم الاسود الذي اكتشف فيه زيد انني اكذب وان القصص التي حشوت بها رأسه ماهي الا تخاريف .. من الطبيعي ان زيد سيفقد ثقته فيني تماما وسيرفض كل ماعلمته اياه.
لكن المشكله لن تتوقف هنا .. زيد لن يكفر بما قلته له انا فقط .. بل سيضع معي كل من قال له انه يجب ان يسير في سكة السلامة .. وهذا قد يشمل اناسا فاضلين لايكذبون ولا يؤلفون القصص.
الواقع انه غالبا لن يكتفي بمن نصحوه بسكة السلامة .. بل سيشمل معي كل من يشاركني بأي رأي او دعوه .. سيكفر بنا جميعا .. وسيبحث عن مسار جديد.
لنتذكر ان زيد لا يملك ادوات التمييز والتمحيص فنظام التعليم الذي اهله لم يمنحه هذه الادوات والقدرات .. لذا سينقلب زيد على نفسه وسيتبع اول اشارة يراها تخالف ماكنت احاول ان احشو بها رأسه .. لينضم الى قطيع جديد .. يتبنى اراءه ويدافع عنه بشراسة ويرى ان الخلاف معه جريمة ووصوله لحلول وسط مع مخالفية خيانة.
احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
١١ ديسمبر ٢٠١٦