لا حديث للمهتمين بمتابعة السياسة الامريكية هذه الايام الا دعاوي اعادة عد الاصوات في بعض الولايات الهامه .. هذا الحديث يثير عددا من الاسئلة اهمها .. ماهي هذه الولايات تحديدا؟ لماذا هي هامه؟ ما الدافع وراء هذه الدعوات؟ ماهي الاجراءات التي يمكن اتخاذها؟ وماالنتائج التي يمكن ان تخرج من مثل هذا الاجراء؟ سأحاول الاجابة عن كل من هذه الاسئلة بالترتيب.
الولايات هي بينسلفينيا .. ويسكونسون .. وميتشيقان .. واهميتها لا تكمن في حجمها فهي في الواقع ولايات متوسطة الحجم .. حيث يبلغ اجمالي المقاعد المخصصه لها ٤٦ مقعد من ال ٥٣٨ مقعد .. هي متوسطة لانه من جهه يوجد عدد كبير من الولايات مقاعدها ٦ او اقل .. ومن الجهه الاخرى كاليفورنيا لوحدها لديها ٥٥ مقعد .. تكساس ٣٨ مقعد .. فلوريدا ونيويورك لكل منهما ٢٩ مقعد .. اذا كان لديك بعض التشويش في فهم طريقة توزيع المقاعد الانتخابية على الولايات او كيفية تحديد الفائز بمنصب الرئاسة يمكنك مراجعة المقالين الكلية الانتخابية Electoral College و استطلاعات الرأي والانتخابات الامريكية .. كلاكيت ثاني مرة
بالرغم من ان حجم هذه الولايات الثلاث ليس كبيرا كما ذكرنا .. الا انها تتمتع بخاصيتين .. الاولى انها عادة تميل للديموقراطيين بفارق صغير نسبيا .. الثاني انه حسب نتائج انتخابات هذه السنه تحديدا لايمكن ان يفوز ترمب بالانتخابات بدون هذه الولايات الثلاث وقد كانت تعتبر درع الامان لهيلاري في الانتخابات التي خسرتها بسبب خسارتها لها رغم انها تفوقت على ترمب في اجمالي الاصوات باكثر من مليوني صوت.
بداية ظهور الدعوات لاعادة العد كانت هذه المره من علماء الحاسب الآلي .. فقد اشار بعضهم الى وجود اختلاف ثابت بين نتائج المقاطعات يميل لصالح ترمب بنسبة ٧٪ حسب نوع اجهزة التصويت في المقاطعات مما قد يشير لوجود تلاعب في نتائج نوع محدد من اجهزة التصويت ادى لحصول ترمب على عدد اجمالي اكبر من الاصوات في هذه الولايات مما جير نتيجتها لصالحه.
لنفهم المقطع اعلاه يجب ان نلقي نظرة على الانظمة الاجرائية للانتخابات في امريكا .. كما تعرف عزيزي القارئ جمع الاصوات وعدها يتم لكل ولاية على حده ومن ثم يتم اعلان الفائز حسب مجموع الاصوات في كامل الولايه .. لكن الحقيقه هي انه بالرغم من كون الانتخابات الرئاسية شأن فيدرالي الا ان من يقوم بتقنينه وتنفيذه هي الولايات .. القوانين الاجرائية لعملية التصويت تصدرها كل ولاية على حده لذا يوجد اختلافات في القوانين من ولاية لاخرى.
كما ان من يقوم على تنفيذ هذه القوانين واجراء الانتخابات فعليا هي المقاطعات county .. كل ولايات امريكا مقسمه بالكامل الى مقاطعات فلايوجد مناطق لاتتبع لمقاطعه محدده كما ان عدد السكان والتنظيمات تختلف من مقاطعه لاخرى.
نتيجة لهذا التقسيم وعدم المركزية في ادارة العملية الانتخابية اصبح هناك اختلافات كبيرة نسبيا في طريقة تسجيل وعد الاصوات من منطقة لاخرى .. لا احد في امريكا يعتبر هذه مشكله حقيقيه .. المشكله تكمن في سوء بعض التنظيمات وقدم بعض الاجهزة حيث يبلغ عمر بعضها عشرات السنين كما ان بعضها الكتروني بالكامل يقوم بتسجيل الاصوات الكترونيا واظهار النتائج والبعض الاخر الكتروني جزئيا بمعنى ان التصويت يتم آليا لكن الجهاز يقوم بطباعة تقرير ورقي عن كل تصويت والبعض الثالث ورقي في الاساس حيث يتم اخذ الصوت من المواطن على ورقه يقرأها الجهاز ويعلن النتائج النهائية مع الاحتفاظ بالورقة الاصلية.
اين تكمن الاشكالية التي اثارها علماء الحاسب الآلي بالضبط ؟؟ تكمن في ان مجموعه منهم ينتمون لمراكز بحثيه وجامعات مختلفه درسوا نتائج الانتخابات في الولايات المذكوره واشاروا الى وجود خلل نظامي في احدها تحديدا .. الخلل هو انهم يقولون ان ترمب حصل على عدد اصوات اكثر ب ٧٪ في المقاطعات التي تسجل الاصوات الكترونيا مقابل المقاطعات التي يتم فيها اخذ الصوت من المواطن على ورقه.
قبل ان تقفز الى الاستنتاج بوجود خلل او تلاعب يجب ان تعرف انه في مقابل هذا الحديث يقول متخصصي الاحصاءات الانتخابية ان كثيرا من هذه المقاطعات تصوت عادة بنسب اعلى لصالح الجمهوريين بالتالي هذا ليس خللا بقدر ماهو نمط طبيعي حسب ما يرون.
لكن الجدال اصبح ساخنا فعلا لتوافر عدة عوامل .. اولها ان نتيجة هذه الولايات تحدد فعليا نتيجة الانتخابات الرئاسية بالتالي يؤكد البعض انه يجب عدم تجاوز اي احتمالات للخطأ مهما كانت صغيرة .. الثاني يكمن في الحديث عن وجود محاولات تدخل خارجية .. روسية تحديدا .. في الانتخابات الامريكية وحدوث اختراقات الكترونية استهدفت الحزب الديموقراطي والذي يلقي بظلال اكبر من الشك على نتيجة الانتخابات.
البعض يقول اننا منذ ٨ نوفمبر ونحن نتحدث عن الفشل الذريع لجميع استطلاعات الرأي ونماذج التنبؤ في استشراف نتيجة الانتخابات .. اليس من الممكن ان لا تكون الاستطلاعات فشلت ولكن الحقيقه ان النتائج المعلنه هي الخاطئة؟
يعزز هذا القول انه يوجد سوابق تاريخيه قديمه وحديثه لتغير نتائج الانتخابات بعد اعادة العد حولت بعض الفائزين الى خاسرين .. صحيح ان ذلك كان دائما على مستويات صغيره (مثل بعض مناصب المقاطعات او المدن) لكن الحقيقه ان الفارق الذي فاز به ترمب في هذه الولايات الثلاثه مجتمعه فارق ضئيل جدا فهو يبلغ في مجموعه للولايات الثلاث 107,105 صوت فقط .. بينما بلغ عدد المصوتين في انتخابات مقاطعة هاريس على سبيل المثال (التي تقع فيها مدينة هيوستن) 1,302,887 حققت فيها هيلاري 161,511 صوتا اكثر مما حققه ترمب .. نحن نتحدث هنا عن مقاطعه متأرجحه داخل تكساس الحمراء فقد فاز فيها اوباما في ٢٠١٢ بفارق 971 صوت فقط.
هذه الارقام وغيرها تثير العديد من الشبهات لدى الكثيرين .. يعزز ذلك فوز كلينتون باجمالي فارق مليوني صوت عن ترمب في اجمالي التصويت الشعبي في حادثه غير مسبوقه في التاريخ الامريكي الحديث .. فبالرغم من من حسم الانتخابات ٤ مرات في تاريخ امريكا لصالح مرشح حصل على اجمالي اصوات اقل قبل ٢٠١٦ الا ان الفارق دائما كان ضئيلا ولم يصل ابدا لهذه الارقام الكبيره والتي من المتوقع ان تبلغ ٢٪ لصالح هيلاري عند اكتمال عد جميع الاصوات.
النقطة التالية في بحثنا اليوم هي .. ما الذي يمكن ان يحدث ؟؟ الاحتمال الاول .. لا شئ .. تبقى النتيجة كما هي .. الاحتمال الثاني هو اجراء عملية تدقيق في الاصوات .. التدقيق يتم عن طريق اختيار عينات عشوائية متعدده من مقاطعات مختلفه وتدقيق نتائجها للتأكد من تطابقها مع النتائج المعلنه .. في حالة ظهور اختلافات فان ذلك لايؤدي لتغيير النتيجة مباشرة ولكنه يؤدي لاعادة عد الاصوات يدويا بالكامل .. الاحتمال الثالث هو القفز لاعادة العد مباشرة.
يعتقد البعض ان الامر منوط بالقضاء .. الحقيقه ان هذه المعلومه ليست شديدة الدقه .. يوجد قوانين واجراءات تحكم هذه الاجراءات تنظمها الولايات .. اللجوء للقضاء يحدث فقط اذا اعترض الطرف المتضرر على نتائج هذه القوانين او الاجراءات .. كأن يطلب التدقيق او اعادة العد ويرفض طلبه بمبررات لا يرى انها معقوله .. هنا يمكنه اللجوء للقضاء وتصعيد القضية حتى تصل للمحكمة العليا ان لم تحسم في مستويات ادنى .. كما حدث في انتخابات عام ٢٠٠٠ مثلا.
الجهه المنوط بها اتخاذ خطوات المطالبه بالتدقيق و/او اعادة العد هي حملة هيلاري الانتخابية .. ماحدث حتى هذه اللحظه هو ان بعضا من محامي الحقوق المدنية تلقوا تقارير علماء الحاسب الآلي وتبنوا حملة للمطالبة باعادة التدقيق والعد .. دعمهم بشكل رئيسي مرشحة حزب الخضر (وهو حزب يساري يميل لتأييد الديموقراطيين بطبيعة الحال) وهم يقومون بجمع تبرعات لتمويل الحملة وتواقيع لتأييدها وقد بلغ حجم التبرعات اكثر من ٤ ملايين دولار حتى هذه اللحظه وهذا رقم كبير.
لكن حملة هيلاري لم تتخذ اي موقف معلن من هذه الحمله حتى هذه اللحظه والتاريخ النهائي لفترة استقبال الاعتراضات يقترب بسرعه في الوقت الذي يبدو فيه الحزب الديموقراطي مشغولا باعادة تشكيل قياداته مستسلما لنتيجة الانتخابات.
الاحتمالات مازالت مفتوحه واعادة العد محتمله لكنها تواجه صعوبات كبيره حتى لو اقرت .. اهمها ان غالبية اجهزة التصويت في ويسكونسن تحديدا لا تحتفظ بسجلات ورقية للمقارنه لكن هذا الامر .. حتى لو لم ينتج عنه اعادة عد او تغيير النتائج .. سيلقي بظلال شديدة على عمل ادارة ترمب خلال السنوات القادمه ويضعف موقفها كثيرا في كل النقاط الخلافية كما انه دافع كبير جدا لصالح الحملة المطالبة باصلاح النظام الانتخابي عن طريق التخلص من المجمع الانتخابي او اعادة تنظيمه بطريقه تمنع فوز مرشح بمنصب الرئاسة رغم خسارته للتصويت الشعبي.
احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
٢٤ نوفمبر ٢٠١٦