تعقيب وشرح لمقال د. خالد الدخيل (الثورة الأميركية: هل تشبه الربيع العربي؟)

كتب الدكتور خالد الدخيل مقالا رائعا كما عودنا عن الثورة الامريكية التي تمثلت في فوز ترمب بانتخابات ٢٠١٦ .. ولقد استثارتني اهمية المقال البالغة وقدرة الدكتور الباذخه على شرح وتوصيف الاحداث بطريقة سلسلة وواضحة لكتابة هذا التعقيب الذي يشتمل على تصحيحين صغيرين ومحاولة لشرح بعض التفاصيل التي اجملها الدكتور اما لاغراض المساحة او لانه يرى انها واضحه ومفهومة لا تحتاح مزيدا من الشرح .. فأنا على عكس الدكتور خالد .. فاشل تماما في الاختصار واندفع مجبرا نحو تفصيل كل جزئية مهما كانت واضحه او غير هامه.

سأبدأ بغير المهم لانتهي منه بسرعه وانتقل للاهم .. ذكر الدكتور الفاضل في مقاله ان بيرني ساندرز حصد عشرات الملايين من الاصوات .. الصحيح ان بيرني ساندرز حصد ١٢ مليون صوت في الانتخابات الاوليه فقط .. وهو رقم كبير في الانتخابات الاولية حيث حصدت هيلاري كلينتون اقل قليلا من ١٦ مليون صوت وحصد دونالد ترمب اكثر قليلا من ١٣ مليون صوت.

الغلطه الصغيرة الاخرى ان الدكتور ذكر ان ترمب تغلب على ١٦ مرشحا جمهوريا في الانتخابات الاولية كان جميعهم يمثلون تقاليد مؤسسة الحزب المتوارثة .. الصحيح انه كان يوجد من ضمن ال ١٧ مرشحا للانتخابات الاولية للحزب الجمهوري ثلاث مرشحين من خارج المؤسسة التقليدية .. دونالد ترمب و بين كارسون و كارلي فيورينا .. الثلاثه كانوا يحتلون المراكز الاولى في استطلاعات الرأي في البداية لكن ترمب هو الوحيد الذي صمد لمراحل متأخرة من الانتخابات الاولية.

بعد ان انتهينا من الجزء الاقل اهمية من حديث اليوم .. يمكننا ان ننتقل للجزء الاهم .. وهو محاولة شرح وتوضيح بعض النقاط التي ذكرها الدكتور في مقاله.

تحدث الدكتور في اجزاء مختلفه من مقالة عن عدم حتمية الصدام بين الطبقات المتمرده وبين النظام السياسي .. واشار الى امتلاك النظام لادوات الحوار والتفاوض مع الطبقة المتمردة عليه.

ما اريد الحديث عنه هو الآليات والادوات التي يمتلكها نظام الحكم في امريكا لاحتواء هذا التمرد والتعامل معه وحتى الاستجابة له .. لاشك ان كل طبقة حاكمة لديها اجنده تحاول تطبيقها لانها تراها الوسيلة الامثل للحكم .. وبالتالي تحاول هذه الطبقة من خلال الادوات السياسية المعتاده والاعلام ترويج هذه الاجنده وحشد التأييد خلفها.

لكن الحقيقه التي يغفل عنها البعض والتي اشار لها الدكتور اجمالا باوصافه المذكورة ان هذا الطريق ذو اتجاهين .. كما تؤثر الطبقة الحاكمة في الشعب لتقنعه باجندتها فهي تتأثر به وتتحس توجهاته لتعديل هذه الاجنده لتتمكن من تحقيق تطلعات الشعب او على الاقل كسب تأييده.

المرشحين السياسيين من اصغر طبقاتهم وحتى اعلاها يجتمعون بناخبيهم عن طريق مؤسسات المجتمع ويتحاورون معهم ويتلقون مطالبهم ويحاولون اقناع الناخبين باجنداتهم .. سياسات الاحزاب باغلبها تصاغ داخل هذه التحركات التي لا يغطيها الاعلام كثيرا لاسباب مفهومه .. وعندما يتسع الفارق بين توجهات الطبقات الاجتماعية وبين الطبقة الحاكمه يظهر هذا بوضوح على نتائج الانتخابات التي تعاقب الابعد.

الطبقة الحاكمة لا تتجاهل هذا التباعد ابدا .. بل تعمل على اكتشاف اسبابه والتجاوب معها .. وكلما تأخر هذا التجاوب زادت حدة العقاب من قبل الناخب للمرشحين .. ظهر هذا مثلا في موجة العقاب لمرشحي الحزب الجمهوري التي بدأت في انتخابات ٢٠١٠ .. ادخلت هذه الانتخابات عددا كبيرا من المرشحين الاكثر تشددا ويمينيه لقوائم الحزب الجمهوري اجبارا في الانتخابات الاولية .. وقد استجابت قيادات الحزب الجمهوري لهذا التطلع وتوجهت نحو التشدد في تطبيق الاجنده اليمينيه .. لكن هذا التشدد في الواقع اتى بنتيجة عكسية فقد زاد التشدد من تعطيل عمل واشنطون ولم يحقق مطالب اليمينيين سوا في تعطيل اوباماكير او زواج الشواذ او اصلاح قوانين الهجرة كما انها لم تحقق مردود اقتصادي حقيقي على الطبقة العاملة فأتت موجة العقاب الاخرى التي فرضت ترمب على رأس الحزب الجمهوري.

المثال الاخر الذي يستحق التوقف عنده لفهم طريقة عمل المسار الاخر لتسويق الاجندات السياسية هو ماحدث في انتخابات ١٩٩٢ .. تلك الانتخابات شهدت ترشح ثلاث مرشحين .. الرئيس الحالي وقتها جورج بوش الاب .. بيل كلينتون .. والمرشح الثالث روس بيرو

حصد كلينتون في تلك الانتخابات ٤٣٪ من الاصوات في مقابل ٣٧٪ حققها جورج بوش الاب .. لكن الرقم الاهم هو ال ١٩٪ التي حققها روس بيرو .. اول خطوة قام بها بيل كلينتون بعد الانتخابات هي اجراء اجتماع مطول مع روس بيرو .. الغرض كان فهم اجندته التي استطاعت جذب خمس الناخبين .. ماذا قال لهم .. وكيف استجابوا له .. لماذا صوتوا له بالضبط .. ما الذي يمكن تحسسه وتبنيه من اجندة بيرو.

هذا التصرف لم يكن محصورا على كلينتون .. حتى قيادات الحزب الجمهوري اجتمعت مع بيرو وتناقشت معه لنفس الدوافع والاهداف .. كلها بغرض معرفة ماهو الامر الذي فشل كلا الحزبين في تحسسه لدى الناخبين وجعل خمسهم يصوت لهذا المرشح وكيف يمكن تبني اهم مطالب هذه الفئه وتحقيقها.

هذا الجزء من آلية العمل الديموقراطي الامريكي هام جدا .. فهو المقابل لنظرة سيطرة الاعلام والطبقة الحاكمة وسوق الناخب نحو توجهاتها واجنداتها وهو اداة التصحيح الاهم التي تحفظ مسار الحكم في اقرب درجة لتوجهات وتطلعات الشعب .. وبقدر نجاحه يزداد الاستقرار .. وبقدر فشله يضعف وتتصاعد الاضطرابات كما رأينا في عدد من المناسبات التاريخيه .. ولكن لانه دائما موجود فهو صمام الامان الاهم في النظرية الديموقراطية واداة التصحيح الموجودة دائما لحفظ استقرار البلد والنظام.
احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
١٢ نوفمبر ٢٠١٦