الكلية الانتخابية Electoral College

لم اكن انوي الحديث عن هذا الموضوع لانه ببساطة اكثر موضوع تم نقاشه في وسائل الاعلام العربية ضمن تغطيتها الاخبارية للانتخابات الامريكية بدليل انني كتبت سابقا عن تفاصيل دقيقه بالارقام عن مدى امكانية اختلاف التصويت الشعبي عن النتيجة الفعلية للانتخابات في معرض حديث لي عن قراءة استطلاعات الرأي بدون التعرض للخطوط العامه.

لكن كمية المعلومات المغلوطة التي قرأتها عن هذا الموضوع خلال الايام القليلة الماضية .. حتى من بعض المتابعين الجيدين للسياسة الامريكية .. جعلتني اقرر الحديث عنه ببعض التفصيل لتوضيح الامر بمختلف زواياه.

هناك معلومتين تحديدا تتكران بكثرة وكلاهما غير صحيح .. الاولى ان هذا النظام مرتبط بكون امريكا دولة فيدرالية لذلك لابد ان يتم انتخاب الرئيس بهذه الطريقة .. ينفي هذه المعلومة حقيقة ان امريكا ليست الدولة الفيدرالية الوحيدة ومع ذلك هي الوحيدة التي تطبق هذا النظام.

الثانية ان هذا النظام وضع لحماية الولايات الصغيرة امام الولايات الكبيرة .. وهذه المعلومه رغم انها ليست خطأ 100% .. الا انها خطأ بنسبة قريبة من ذلك لان النظام لم يوضع بهذا الهدف .. توزيع مقاعد مجلس الشيوخ هو الذي حدد بهدف حماية الولايات الصغيرة لان كل ولاية لها مقعدين في مجلس الشيوخ مهما كان عدد سكان الولاية.

لكن عدد ممثلي الولاية في مجلس الشيوخ يمثل نسبة من حسابات المناديب في الكلية الانتخابية لذلك هو يعطي الولايات الصغيره زيادة في الوزن.

لكن كل ذلك ليس له علاقة بالدافع الحقيقي وراء انشاء وتبني نظام الكلية الانتخابية .. الدافع ببساطة هو ان واضعي الدستور الامريكي قبل ما يقارب 250 سنه لم يكونوا يثقون في قدرة الناخبين على اختيار الرئيس الافضل بطريقة صحيحه .. لذلك اوجدوا هذا النظام.

عند بداية تأسيس امريكا لم يكن هناك عدد محدد لاعضاء مجلس النواب .. الدستور الامريكي ينص على ان لكل ولاية عضوين في مجلس الشيوخ وعلى ان يكون لها ممثلين في مجلس النواب يماثلون وزن الولاية من ناحية عدد سكانها بحيث يكون لكل 10 الاف مواطن ممثل واحد .. اذا كان عدد سكان الولايه 100 الف مثلا يكون لها 10 اعضاء في مجلس النواب .. كما يجب تقسيم الولاية الى عشر اقسام متساويه في عدد السكان ينتخب كل قسم لوحده ممثله الخاص في مجلس النواب.

هذا يعني ان عدد اعضاء مجلس النواب يزيد كل ما زاد عدد سكان امريكا .. وكان هذا صحيحا حتى وصل عدد النواب الى 435 نائبا .. في ذلك الوقت تم اعتماد تعديل دستوري يثبت اعضاء مجلس النواب عند هذا الرقم .. مع اعادة توزيع مقاعد مجلس النواب على الولايات حسب عدد سكانها مع كل احصاء سكاني جديد .. الدستور ينص على وجوب اجراء احصاء سكاني كل عشر سنوات .. لذلك تم تغيير التوزيع آخر مره عام 2010 وسيتم مجددا عام 2020.

ماهي علاقة هذا الكلام بالكلية الانتخابية ؟؟ العلاقه هي ان عدد مناديب الولاية في الكلية الانتخابية يحدد حسب عدد اعضائها في مجلسي الكونقرس .. يعني ولاية وايومينق مثلا لها عضوين في مجلس الشيوخ مثل كل الولايات .. ولها عضو واحد فقط في مجلس النواب وهو الحد الادنى لان سكانها نصف مليون فقط .. بالتالي لها ثلاث مناديب في الكلية الانتخابية.

ولاية تكساس في المقابل لها عضوين ايضا في مجلس الشيوخ .. ولكن لها 36 عضوا في مجلس النواب بسبب عدد سكانها الكبير .. لذلك لها 38 مندوبا في الكلية الانتخابية.

هذا يعطينا 535 مندوبا .. لكن الواقع ان مقاطعة واشنطون (واشنطون العاصمة) ليس لها اي اعضاء في اي من مجلسي الكونقرس لانها ليست ولاية .. ينص الدستور على منح مقاطعة واشنطون عدد من المناديب مساوي لاقل عدد من المناديب الذي تحصل عليه اي ولاية .. بطبيعة الحال لايمكن ان يكون لاي ولاية اقل من 3 مناديب .. وليس متوقعا ان يتغير هذا الوضع خلال المستقبل المنظور .. لذلك تحصل واشنطون العاصمة على ثلاث مناديب بغض النظر عن عدد سكانها.

عند اجراء الانتخابات الرئاسية يتم عد الاصوات في كل ولاية على حدة .. المرشح الذي يحصل على اكبر عدد من الاصوات في الولاية يحصل على اصوات كامل مناديب الولاية .. هناك استثنائين هما ولايتي ماين ونبراسكا اللتان تعتمدان تقسيما مختلفا للمناديب لكنها حالة خاصة لولايات صغيرة جدا لذلك لا اثر حقيقي لها على العملية.

هذا هو الوضع اليوم .. لكنه لم يكن كذلك من البداية .. عند بداية تأسيس امريكا كان المؤسسون يرون ان انتخاب الرئيس وانتخاب اعضاء مجلس الشيوخ قضية هامه جدا لا يمكن تركها للعامة لذلك لايمكن تركها للانتخاب المباشر .. ولكن يجب ان تتم بالانتخاب الغير مباشر.

تم ذلك عن طريق توكيل مهمة انتخاب اعضاء مجلس الشيوخ لاعضاء برلمان الولاية وليس للناخبين مباشرة .. استمر هذا الامر حتى عام 1913 عندما تم اجراء تعديل يجعل اعضاء مجلس الشيوخ ينتخبون مباشرة من قبل المواطنين .. اما انتخاب الرئيس فيتم عن طريق انتخابات خاصه حيث يختار افراد الشعب ممثليهم للكلية الانتخابية في اوائل شهر نوفمبر .. يجتمع المناديب الذي اختارهم الشعب في منتصف شهر ديسمبر ويصوتون على اختيار الرئيس.

لم يكن هناك اي شروط على من يختاره المندوب .. كما كان من المتوقع ان كل مندوب يصوت كما يريد .. بمعنى انه لم يكن متوقعا من مناديب الولاية الواحده ان يصوتوا جميعا لنفس المرشح .. وهذا ماكان يحدث في البداية.

بعد فتره بدأ مناديب الولايات بالاتفاق فيما بينهم مسبقا على التصويت لنفس المرشح .. عندما بدأت هذه الظاهره اقترح هاملتون .. وهو من وضع النظام اصلا .. اصدار تعديل دستوري يمنع هذا الاجراء .. لكن التعديل لم يتم اعتماده لانه تم اعتباره تدخلا في حرية التصويت.

الانتقال من وضع ان المناديب يصوتون كل على حده وكما يراه الى ان اصوات المناديب تذهب للمرشح الذي فاز باكبر عدد من الاصوات في الولاية تغيير اجرائي وليس قانوني .. بمعنى انه عرف لكن لايوجد في الدستور ماينص عليه .. هناك 26 ولاية اصدرت تعديلات دستورية او قوانين تحد من حرية المندوب في التصويت تحت طائلة عقوبات مختلفه تصل في بعض الحالات الى مجرد غرامة بسيطة .. البقية ليس فيها اي قانون يفرض على المندوب التصويت حسب مخرجات الاصوات في ولايته .. لكن حقيقة ان الاحزاب هي من تختار المناديب فهم في الغالبية العظمى من الحالات يكونون من اعضاء الحزب الملتزمين لذلك فهم لايخرجون عن ترشيح الحزب الا في حالات نادرة جدا جدا.

اسلوب الكلية الانتخابية .. خصوصا مع تبني مبدأ عدم حرية المندوب في التصويت .. يحدث خللا يمكن رصده بسهولة في الانتخابات الرئاسية .. ظهر هذا الخلل واضحا في انتخابات هذه السنه التي فازت بها هيلاري بعدد اكبر من الاصوات ومع ذلك خسرت الانتخابات .. كما ظهر في عام 2000 عندما فاز آل قور بعدد اكبر من الاصوات التي فاز بها بوش الابن ومع ذلك خسر الانتخابات (لمزيد من التفاصيل والارقام حول هذا الامر يمكنك القاء نظرة على مقالي هذا).

الدعوات لتغيير نظام الكلية الانتخابية متعدده وتظهر بين فترة واخرى .. وهذا يمكن تنفيذة عن طريق احد اسلوبين .. الاول اعتماد تعديلات دستورية في كل ولاية على حدة تجعل اصوات الناخبين موزعه على المناديب وليست كتله واحده .. بالتالي لا يحصل الحزب الفائز بالعدد الاكبر من الاصوات في الولاية على جميع مقاعد المناديب .. اي نفس مايحدث تقريبا في ولايتي ماين و نبراسكا .. يعيب هذا الخيار انه لن يحل اشكالية تفاوت عدد الناخبين مقابل كل مقعد في الكلية الانتخابية .. سيظل كل 700 الف مواطن في كاليفورنيا يمثلهم مندوب واحد بينما مندوب من وايومنق يمثل اقل من 200 الف مواطن.

الاسلوب الثاني اجراء تعديل دستوري يلغي الكلية الانتخابية تماما ويعتمد التصويت الشعبي المباشر .. هذا هو الخيار الامثل والذي يدعو له كل من يطالب باجراء التغيير .. يعوق هذا الخيار انه لايوجد درجة اجماع كافية لاعتمادة .. الاغلبية المطلقه (النصف زائد واحد) لاتكفي لاعتماد التعديلات الدستوريه فهي تتطلب درجة اعلى بكثير من التوافق.

ارجو ان اكون وفقت في شرح العملية الانتخابية الامريكية بوضعها الحالي والتاريخي بدرجة كافية من الوضوح.
احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
11 نوفمبر 2016

رأي واحد على “الكلية الانتخابية Electoral College”

التعليقات مغلقة.