لماذا صوت الامريكيون لترمب

استيقضت هذا الصباح وخرجت من المنزل .. الجو يميل للبرودة قليلا والهواء منعش فعلا والناس عن يميني وشمالي متوجهين لاعمالهم ومدارسهم بنفس الهدوء المعتاد .. بل اكاد ارى ابتسامة هنا وهناك .. لم تسقط قطع من السماء ولم تتشقق الارض بعد .. يبدو اننا سنستطيع النجاة من بضع سنين يحكم فيها ترمب امريكا!

الدنيا ستضج لايام قد تطول بالتحاليل حول (لماذا وكيف فاز ترمب؟) .. فئة ممن سيمارسون هذا التحليل والشرح كانوا حتى آخر لحظه يقسمون بان هيلاري ستفوز لا محالة .. وفئة اخرى تردد مقولات ليس لها معنى او اساس لمجرد ان شكلها اعجبها .. وكلا الفئتين في هذه اللحظه تحديدا مزعج ممجوج و (يازينه ساكت).

لا اخفيكم سرا اني كنت انوي التجمل بالسكوت لفتره على الاقل .. منها لتقليل الضجيج ومنها لاخذ قسط من الراحة بعد شوط طويل ومرهق جدا .. لكني تذكرت وانا ادخل من الباب قبل قليل انني من النوادر الذين كانوا يصرون طوال فترة الانتخابات انه لايمكن الجزم بمن سيفوز .. لا انكر انني كنت اتوقع هيلاري او اتمناها .. لكني كنت اعلم ان الصندوق قد يخرج منه اي شئ ورددت ذلك باستمرار.

هذا يعطيني العذر بالتحليل كما اشاء .. وسأستغل هذا العذر لاصافح اعينكم بأحد اهم الاسئلة المطروحه هذا الصباح .. ترمب خلال فترة الحملة الانتخابية ادلى بالعديد من التصاريح والكلمات الخطيرة .. منها ما تراجع عنه كمنع المسلمين .. ومنها ما اهمله .. لكنها في مجملها اما وعود مستحيلة التحقيق (لانها ليست من ضمن صلاحيات الرئيس مثلا) او كذبات بجيحه .. او شطحات تستفز قطاعات من المجتمع الامريكي.

كيف صوت الناخب الامريكي لترمب رغم كل ذلك الكم من التصاريح التي تعطي انطباعا جازما بالجهل او الكذب او كلاهما ؟؟

وانا افكر بهذا السؤال تذكرت تحليلا لاحد المتابعين السياسيين قاله في احد القنوات اثناء فترة الحملة الانتخابية لاجابة سؤال مماثل موجه من قبل احد المذيعين .. كانت الاجابه .. والحديث موجه للمذيع وضيوفه .. انتم تأخذون كلام ترمب حرفيا ولكنكم لا تأخذونه بجديه .. مؤيدي ترمب يأخذونه بجديه لكنهم لا يأخذون كلامه حرفيا.

بمعنى انهم يأخذون ترمب كمرشح بشكل جدي وانه قد يكون فعلا قادر على الفوز ومن ثم تحقيق وعوده الكبيرة .. لكنهم لا يأخذون كلامه حرفيا بل يكتفون بالافكار العامه فقط دون تحميلة تبعات تفاصيل حديثه المختلفه امامهم .. لذلك استمروا بدعمه حتى آخر لحظه وحققوا له الفوز المنشود.

في المقابل غالبية المحللين السياسيين كانوا يأخذون كلام ترمب حرفيا ويدققون في كل المعاني التي يحملها وبالتالي يرون متناقضاته او استحالاته ويبرزونها .. لكنهم لا يأخذون الحديث بجديه في مجمله.

خلوني اضرب لكم مثال وان كان فيه بعض التسطيح والسذاجه لكنه صالح لايصال الفكرة .. تخيل انك تحضر مسابقه بين فردين ويوجه لهما سؤال .. فلان مخرب ماذا ستفعل به .. احد المتسابقين اجاب ابارفسه رفسه تطيره ما يرده الا اسطنبول .. المحللين تفرغوا لمناقشه (دباشه ذي ؟؟ وشلون بيوصله اسطنبول وهو ماعنده جواز ؟؟) و (اصلا من قال ان الاتراك بيقبلون يستقبلونه) و (لنفرض جدلا انه بيسويها .. وش بتكون ردة فعل القوات الجوية الاردنية على اختراق جسم مجهول لاجوائها؟؟) فهم اخذوا الكلام بدقه وناقشوا تفاصيله .. لكن ما احد منهم اخذه بجديه ان المتسابق ممكن فعلا يتخلص من المخرب نهائيا.

لكن لجنة التحكيم (الناخب في حالة ترمب) لم تأخذ الكلام بدقه .. لكنها اخذت تصريح ترمب بانه بيكنس المخرب تماما بجديه .. واقتنعوا فيه .. ماكان يهمهم كثير مدى امكانية وقانونية تطبيقة بنفس الطريقه اللي ذكرها لكنهم اقتنعوا ان الهدف سيتحقق بشكل او بآخر .. خصوصا انهم كانوا فاقدين للثقه بقدرة المؤسسة التقليدية الحاكمه على تنفيذ اي شئ في ظل شللها المستمر منذ عدة سنوات واندفاعهم نحو تغيير وجه النظام الممثل في شخص الرئيس.
احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
9 نوفمبر 2016