الاعلام الامريكي بين فضائح ترمب وبريد هيلاري

وعدت في مقالي السابق بالحديث عن تحليل دوافع ما يراه البعض تعاملا غير متوازن بين ترمب وهيلاري حيث يرى البعض ان الاعلام ركز بشدة على فضائح ترمب الاخلاقية بينما هون من توابع مستجدات قضية الرسائل الالكترونية لهيلاري.

من يطرح هذا الطرح لا يكتفي بهذه الحادثة فقط .. بل هم غالبا كانوا يرددون ذلك من فتره ويستشهدون باحداث ومعلومات مختلفه حدثت او ظهرت خلال الاسابيع الماضية.

الواقع ان لهذا الاستنتاج دوافع موجوده في طبيعة انتخابات هذه السنه الاستثنائية ولمسار الاحداث والتغطية الاعلامية منذ بداية الحملات منتصف العام الماضي ويمكن تقسيم هذه الدوافع الى ثلاث اقسام مختلفه.

الاول خاص بترمب نفسه .. ترمب شخصية جدلية متواجده على الساحه الاعلامية منذ عقود .. ازداد هذا التواجد بشكل كبير كنتيجة لبرنامجه التلفزيوني الشهير the apprentice والذي كان يحقق نسب مشاهده عالية اثناء سنوات بثه جعلت ترمب شخصية شهيرة.

جدلية وتناقضات شخصية ترمب طوال سنوات تواجده على الساحه الاعلامية جعلت لا احد يأخذ ترشيحة على محمل الجدية .. لدرجة ان البعض يراهن ان ترمب نفسه لم يأخذ هذا الترشيح بشكل جدي الا في فترات متأخره نسبيا من الانتخابات الاولية.

شخصية ترمب المثيرة وشهرته مضاف اليهما عدم اخذ ترشيحه بشكل جدي جعل وسائل الاعلام تتسابق على اظهاره حتى لو كان ذلك على حساب مهنية المقابلات .. لاحظ انه قبل بداية الانتخابات كان الجميع يتوقع انها ستكون بين هيلاري كلينتون وبين جيب بوش .. سباق جديد اخر بين فردين من نفس الاسرتين وانتخابات مكرورة شديدة الاملال لايوجد فيها اي نوع من انواع الاثارة .. لذلك كان وجود ترمب محركا مهما لجذب المشاهدين واضفاء بعض الاثارة على موسم انتخابي ممل.

طوال اشهر طويلة كان ترمب يخرج بتصاريح اسوأ من بعض وتناقضات وكذبات ابجح كل يوم ومع ذلك يظهر على كل الشاشات بدون ان يوجه له اي سؤال محرج فعلا.

لم يواجه مباشره باي من متناقضاته او كذباته .. وسائل الاعلام كانت تسترضيه بهذا الاسلوب في مقابل تكرار ظهوره معها .. فهي في النهاية تبحث عن الاثارة في موسم انتخابي خامل وليست ملزمه بحدود المهنية الصارمة مع مرشح غير جدي لانها لا ترى ان عليها واجبا نحو تنوير الناخب ليتخذ قراره على اسس واضحه .. فترمب ليس خيارا اصلا حسب نظرتها في ذلك الوقت.

استمر ذلك لما يقارب سنة كاملة بدليل انه حتى آخر لحظة قبل موعد مؤتمر الحزب الجمهوري الذي يعلن فيه مرشح الحزب بشكل رسمي كانت وسائل الاعلام المختلفه تناقش امكانية عدم ترشيحة من قبل الحزب .. لم يكن احد يأخذ ترمب بجدية ابدا قبل المؤتمر.

بعد المؤتمر تغير الوضع .. اصبح الامريكان امام شخصية شديدة التناقض .. بجيحة في الكذب لم تتعرض لاستجواب حقيقي خلال الانتخابات الاولية .. ومرشح رسمي لحزب رئيسي لمنصب رئيس امريكا .. هنا بدأت وسائل الاعلام بالتعامل معه بجدية اكبر وبالتالي اصبحت اكثر شراسة في استقصاء وابراز كل ما يخصه .. قد يكون لاحساس منسوبي هذه الوسائل الاعلامية بالتقصير في الفترات السابقة تأثير على زيادة شراستهم في الاسابيع الاخيرة.

الثاني يتعلق بطبيعة وسائل الاعلام ومنسوبيها .. يستشهد الكثيرين بان نسبة مؤيدي انتخاب هيلاري ضمن العاملين في وسائل الاعلام عالية ويبنون على ذلك استنتاجهم بعدم حياديتها .. وبالرغم من صحة المعلومه وتشكيكي في الاستنتاج الا ان المعلومه مبرره تماما.

منسوبي وسائل الاعلام في الواقع هم من الفئات الاعلى تعليما .. الاحصاءات تثبت ان تأييد ترمب داخل الفئات الاعلى تعليما ضعيف .. بالتالي طبيعي ان يكون مؤيدي كلينتون اكثر بفارق واضح من مؤيدي ترمب داخل هذه الفئة .. وهذا لا يعني ابدا انهم غير محايدين فالامرين مفصولين عن بعضهما البعض كفصل التغطية الاخبارية عن اعمدة الرأي في اي صحيفة تحترم نفسها مهما كان توجهها  .. كما ان منسوبي الحزب الجمهوري يرددون هذه التهمه منذ سنوات طويلة وليست امرا جديدا

الثالث يتعلق بهيلاري بشكل عام وقضية الرسائل الالكترونية بشكل خاص .. منذ خسارة هيلاري للانتخابات الاولية امام اوباما في 2008 وترشحها لمنصب الرئاسة في 2016 متوقع .. حتى تعيينها كوزيرة خارجية واستقالتها بعد الفتره الاولى كان ينظهر لهما على انهما تجهيز لانتخابها لاعطائها منصب حكومي يعطيها ثقلا اكبر ولتفرغها للتجهز للترشيح قبل وقت كاف ثانيا.

الجمهوريين لم يكن خافيا عليهم اي من ذلك .. لذا عملوا باكرا على تقليل فرص هيلاري بكل استطاعتهم .. قضية بن غازي وقضية البريد الالكتروني كانت اهم اسلحتهم في ذلك .. وهذا ايضا ليس سرا .. بعض الجمهوريين كانوا يقولون صراحة ان اهتمامهم بقضية البريد الالكتروني تحديدا بهدف اضعاف امكانية فوزها بمنصب الرئاسة وتصريحاتهم هذه منشورة وموثقه.

لذا فهم يلوكون في هذه القضية منذ سنوات .. يثيرونها بكل حجه ويعطلون كل شئ من اجل التفرغ لها .. الاعلام جارى ذلك كثيرا وغطى هذه القضية بالتفصيل .. لكن الملل غالب خصوصا اننا نتحدث عن اعلام تجاري محركة الرئيسي هو رفع عدد المشاهدات .. جهود الجمهوريين لم تذهب هباء .. نسبة عدم الثقة العالية التي تتمتع بها هيلاري ولا يتفوق عليها فيها احد الا ترمب نتيجة رئيسية ومباشرة لهذه الحملات.

لكن الاعلام الذي يرى انه امام قضية قديمة تم لوكها عشرات المرات على مدى عدة سنوات حتى بدأ الكثيرون بالتقزز منها والتي تستهدف مرشحة ارهقت لسنوات باستهداف حزبي ظالم بدرجة او باخرى والجديد فيها مجرد رسالة خالية من اي محتوى حقيقي (رسالة كومي تقول لقينا ايميلات جديده بس ماندري لهن علاقه بالقضيه والا لا ولا ندري كم نحتاج وقت عشان نعرف لهن علاقه والا لا) لا يمكن ان يفضل تغطيتها على تغطية فضائح جنسية طازجه اعلاميا تبلغ حد الاجرام لمرشح كان يعامل بتدليل شديد من قبل الاعلام لما يقارب السنه الكامله ويراه اغلبيتهم خطرا حقيقيا على الامن القومي الامريكي.
احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
1 نوفمبر 2016