د. أحمد الفراج في مقاله الاخير سطوة الإعلام الأمريكي! اشار الى دور بارز للاعلام الامريكي في دعم هيلاري كلينتون على حساب دونالد ترمب كمرشحين للرئاسة بتخفيف آثار مشاكلها الخاصه بالبريد الالكتروني وتضخيم فضائح ترمب الاخلاقية.
د. أحمد يعرف جيدا ما يتحدث عنه .. لكني ارى ان مقالة ضخم تأثير الاعلام الامريكي اولا .. واهمل تحليل دوافع هذا التصرف من قبل الاعلام ثانيا .. وسأحاول في مقالي هذا مناقشة النقطة الاولى وسأعود لاحقا في مقال آخر لمناقشة النقطة الثانية ان شاء الله.
رغم ضخامة الآلة الاعلامية الامريكية وقوتها الا ان رؤيتنا لتأثيرها مبالغ فيها بشكل او بآخر .. الاعلام الامريكي في غالبيته موضوعي ولكنه ليس محايدا .. ان تكون موضوعيا يعني ان تنقل الاخبار بمصداقية .. فلا تكذب ولا تزور ولا تغش .. اما ان تكون محايدا فهذا يعني ان تقف على نفس المسافة من جميع الاطراف .. بمعنى ان لايكون لك اي مواقف او توجهات واضحة سياسيا او اقتصاديا الخ.
بعض الاعلام الامريكي يدعي الحياد .. لكن كثيرا منه يعلن بصراحه مواقف اكثر قربا من اطياف معينه داخل المجتمع والسياسه الامريكيين .. الفوكس نيوز والوول ستريت جرنال مثلا لا تخفيان يمينيتهما وكذلك ال msnbc والنيويورك تايمز لا تخفيان يساريتهما .. او كما يحبون ان يسمون انفسهم بالترتيب المحافظين والتقدميين.
ايضا المواطن الامريكي لا يثق كثيرا بالاعلام .. فهو يعلم ان غالبية الاعلام ليست محايده .. في الواقع الامر اكبر من ذلك .. اليمينيين يرون ان الاعلام بشكل عام يساري اكثر من اللازم لذا لا يثقون به خصوصا فيما يخص الرأي فيكتفون بمتابعة الاعلام اليميني ويتشككون فيه ايضا فالاعلام كله محل شبهه لديهم.
اما اليساريين فهم يرون الاعلام متأثر برؤوس الاموال والتي تفضل السياسات اليمينية التي تخدمهم اكثر ضريبيا وقانونيا كما انهم يرون ان الاعلام اليميني لايفتقد الحياد فقط ولكنه يفتقد للموضوعية ايضا لان درجة مصداقيته اقل في نظرهم من اعلام الوسط واليسار لذلك يركزون اكثر على متابعة الاعلام اليساري البحت.
لهذا فبالرغم من ضخامة الآلة الاعلامية الامريكية ونجاحها البالغ الا ان تأثيرها على تشكيل اراء الناس اقل مما نتخيله .. هذا طبعا لايعني انها معدومه او شديدة الضعف .. ولكنه يعني ان قدرة الاعلام على صناعة الرأي العام اقل مما نتخيل .. اضف الى ذلك ان الحديث اعلاه يشمل الاعلام الوطني فقط (اي الاعلام الذي يغطي امريكا كاملة) .. وهو في الواقع يمثل جزء صغير فقط من الاعلام الامريكي بينما يتمثل الجزء الاكبر في الاعلام المحلي.
يوجد في كل مدينة امريكية .. خصوصا المدن الكبيرة .. عدة صحف وقنوات تلفزيونية محلية تقدم نشرات اخبارية متخصصة بالشأن المحلي للمدينة او الولاية .. في هيوستن مثلا يوجد على الاقل 4 قنوات تلفزيونية وقناة اذاعية كما يوجد صحيفة يومية مطبوعه وعدة صحف مابين اسبوعية و شهرية و الكترونية كلها متخصصة في الشأن المحلي الهيوستني وتغطيتها لاي امر خارج هيوستن محدودة جدا باستثناء نقل القنوات المحلية للنشرات الاخبارية اليومية للشبكات الاربع الكبرى.
الجزء الذي يخصصه الامريكي من يومه لمتابعة الاعلام موجه في غالبه لمتابعة الاعلام المحلي والذي يناقش قضايا واحداث مدينته بالدرجة الاولى وولايته بالدرجه الثانيه .. فعلى عكس واقع الاعلام الاكثر انتشارا في السعودية .. ما يحدث في الشارع المجاور اهم بكثير مما يحدث في اي عاصمة اقليمية او عالمية بالنسبة للاعلام والمتابع الامريكيين .. لذا فان حملة اعلامية تشنها وسيلة اعلامية على عضو مجلس بلدي او عضو كونقرس احد الولايات اكبر تأثيرا بكثير من كل حملات الاعلام مع او ضد مرشحي الرئاسة الامريكيين.
يستثنى من ذلك ما يقوله الاعلام الامريكي عن ما يحدث خارج امريكا .. فاهتمامات المواطن الامريكي بالعالم خارج حدود امريكا قليلة وبالتالي فهو يكتفي برؤية مشوشه عن الخارج يستقيها من عناوين الاخبار .. وهي رؤية لاتؤثر كثيرا في واقع الحال على خياراته السياسية .. تذكر مثلا ان قاري جونسون مرشح الليبيتيرين وثالث اكثر مرشح رئاسي تحقيقا للنقاط في استطلاعات الرأي اجاب (ما هي حلب؟) عندما سئل في بداية تفجر ازمة حلب عن رؤيته تجاهها .. كما انه لم يستطع ذكر اسم زعيم اجنبي واحد عندما سئل عن اسم اي زعيم في العالم يحمل له تقديرا.
احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
31 اوكتوبر 2016