الباسكن روبنيات .. ماذا وراء النسق وكيف نتعامل معه

خرج علينا يوم امس الاستاذ منصور البلوشي @mansour_y بسلسلة تغريدات تتحدث عن فئة من داعمات الحراك النسوي اسماهن الباسكن روبنيات .. وقد احدثت تغريداته ضجه خصوصا ان مغردا شهيرا آخر هو الشيخ طنف @h_a_m_19 دخل معه على الخط مؤيدا نفس الطرح وتبعهما عدد من المغردين بالتأييد والشرح والاسهاب كما تعرضوا جميعا لردود مضاده من بعض مؤيدات الحركة النسوية.

لن اسهب في التفصيل بما طرحاه فان كنت تقرأ كلماتي هذه فانت على الاغلب قرأت ماطرحاه .. ولن اعترض على طرحهما لان له وجاهه كبيرة ومصداقية على ارض الواقع .. لن اشرح ايضا انهما لم يهاجما الحراك النسوي حقيقة فقد اعياهما توضيح ذلك لكل من يقرأ.

اذن ماذا اريد ؟؟

اريد محاولة تحليل الاسباب وراء وجود هذا النسق الذي وصفه منصور البلوشي ومحاولة استنتاج مدى طبيعية وجوده لعلي اصل معكم الى افضل طريقه للتعامل معه.

في البداية يجب ان ننتبه الى ان هذا النسق ليس شاذا ووجوده ليس حصريا في الحراك السعودي .. في كل المجتمعات التي تشهد حراكا نسويا مهما بلغ فيها مستوى حقوق المرأه توجد فئة ساخطه متطرفه في افكارها وطرحها .. تلك الفئة ليست محصورة على مرحلة سنية معينه ولا درجة تعليمية او اجتماعية معينه .. فهي تتوزع على مختلف طبقات المجتمع وفئاته العمرية واطروحاتها شديدة التطرف في عداء الرجل وعداء اي حراك لا يؤيد افكارهم واطروحاتهم بشكل مطلق.

لم يسعفني الوقت لاجراء بحث تفصيلي لعرض امثلة محدده لاني لم ارغب في تأخير هذا المقال لكن اي متابع للحراك المجتمعي في اي بلد يرى هذه الفئة بوضوح وان اسعفني الوقت لاحقا فسأعود ببحث تفصيلي اكثر مع امثله ووقائع.

لكن هذه الفئة دائما ما تكون اقلية متطرفه مثل ما يوجد اقليات متطرفه في كل حراك مهما كان توجهه بينما الاطروحات لدينا تجمع على ان هذه الفئة بدأت تشكل اغلبية داخل تيار الحراك النسوي في مجتمعنا .. كما انها تتصف بجانب التطرف في الافكار وحدة الطرح الى استخدام الفاظ جارحة تبلغ درجة السوقية احيانا.

اغلب التحليلات التي ناقشت هذه الظاهره واطلعت عليها في تويتر نسبتها الى اربع عوامل .. الاول صغر السن .. الثاني ضعف الثقافة والخبره والتي قد تكون ناتجه جزئيا او كليا عن العامل الاول .. الثالث ان هذا الاسلوب حقق مردود على ممارسيه عن طريق تحقيق شهره بجمع المتابعين وكثافة اعادة التغريد .. الرابع ان غرض هذه الفئة تصفية الحسابات وليس تحقيق اهداف الحراك.

من وجهة نظري الخاصه لا اجد هذه العوامل جميعا كافية لتفسير هذه الظاهره بشكل وافي .. بالتأكيد ان صغر السن و/او ضعف الخبره يؤدي الى تصرفات قد لاتكون مفيده او حتى ضاره لهدف الفرد او المجموعه .. لكن هذا يفسر الاخطاء بشكل عام ولا يفسر الاسلوب شديد الحنق الذي يظهر على سلوك نسبة كبيرة من مؤيدات الحراك.

تحقيق مردود شخصي عن طريق كثرة المتابعين واعادة التغريد ليست مبررا لهذه الممارسات .. بل هي اثبات لمدى شعبيتها بالتالي هي تؤكد انتشار الظاهره ولا تفسرها او تبررها .. كما ان عامل صغر السن لا يمكن قياسه لانه ببساطة غالبية المشاركات اما يغردن تحت اسماء مستعاره او سير ذاتية مجهوله بالتالي لا يمكن قياس هذا الامر .. اما عامل تصفية الحسابات فلن اخوض به اصلا فانا لا ادعي قراءة الافكار او الاطلاع على النوايا.

في اعتقادي انه ليكون تحليل الظاهره سليما يجب دراستها في ظل سياقها المجتمعي وليس عزلها بمفردها .. لنتوقف قليلا ونلقي نظرة عامة على كل الحراكات والتيارات الموجوده داخل مجتمعنا ونرصد معالمها الاساسية.

اوضح المعالم واكثرها انتشارا هي ظاهرتي الاسقاط والاقصاء .. نحن بلا استثناء نمارس ذلك بتوسع وشمول شديد .. لايكفي ان تكون معي 99% .. يجب ان تكون معي 100% والا فانت ضدي .. انا لدي قائمة مبادئ وافكار اتبناها تماما .. ولدي قائمة مبادئ وافكار اعارضها تماما.

اذا رأيتك تعترض على جزئية من القائمة التي اتبناها او رأيتك تتبنى جزئية من القائمة التي اعارضها تكون خطوتي التالية مباشرة ان اسقط عليك معارضة كل ما اتبناه وتأييد كل ما اعارضه .. هذا الاسقاط يجعلني اصنفك واتعامل معك ومع اطروحاتك وكأني اعرف تماما كل ماتفكر فيه سواء كنت طرحته او لم تطرحه.

المرحلة التالية للاسقاط هي الاقصاء .. بما انك اصبحت ضمن قائمة الاعداء فاني اقصيك تماما فانت اصبحت غير جدير بالتوقف عند اطروحاتك نهائيا .. انت فقط جدير بالاسكات والهجوم .. ليس مهما ان اهاجم ما تطرحه .. بل سأهاجم كل ما اتخيل انك تمثله .. ان كنت انا اميل للتيار الديني فانت علماني ليبرالي متفسخ كاره للدين وسأهاجمك باستخدام كل رد ممكن على كل قول او فكره طرحها اي شخص سبق لي ان وضعته في نفس التصنيف .. وان كنت انا الذي يميل لليسار فانت ارهابي اخونجي متسلط ومتطرف وسأهاجمك وكأنك لاتمل من ترديد خطب العدناني واقوال سيد قطب .. وهكذا مع كل تيار ومع كل توجه ومع كل نقاش .. حتى النقاشات الرياضية لا تسلم من ذلك.

بعد ان اقصيتك .. سأمارس ضدك الاستعداء والشيطنة وسأوجه لك كل التهم الممكنه .. وان لم اجد طريقه مباشرة لافعل ذلك سأهرب للامام بايقاعك في شرور افكارك الهدامه بحشرك بمقولات من نوع (اين انتم من ….) و (فلان تاج راسك) و (سيدك فلان فعل وفعل) واتهمك بالولاء والتبعية لكل الاشرار على وجه الارض.

رغم حدوث انحسار محدود لهذه الظواهر في الفترات الاخيره الا انها لا تزال الطابع العام لكل حراكاتنا ونقاشاتنا بمختلف اهتماماتنا وتياراتنا .. نبدأ بالاسقاط ثم الاقصاء واخيرا الشيطنة والاستعداء.

لنعد الآن الى منطلق حديثنا عن الظاهره الباسكن روبنية .. الا ترى عزيزي القارئ ان التحليل اعلاه ينطبق عليها حرفيا ؟؟ هي مجرد نتاج لثقافتنا المجتمعية وممارسة لاساليبنا المعتاده .. فكيف نلوم الفتيات على تصرف نمارسه كلنا كل يوم وفي كل مناسبه ؟؟

انها بضاعتنا التي نعيد تدويرها كل يوم فلا يحق لنا ان نلوم من يمارس نفس التصرف فالحل ليس في ممارسة الضغط على هذه الفئة بل الحل في اصلاح حال المجتمع.

احب ان اضيف ايضا انني .. من وجهة نظري الشخصية .. لا الوم منصور البلوشي وطنف ومن سار على نهجهما في طرحهما .. لاني اتوقع ان الدافع الرئيسي له هو انهم كانوا يتوقعون من ناشطات الحراك النسوي مستوى اعلى من الطرح السائد .. فانت اذا كنت تتوقع من شخص ما انه ينجح برفسه وتراه حقق تقدير جيد تبتسم راضيا .. لكن عندما تتوقع من شخص التفوق وتراه حقق جيد جدا تنصدم وربما توبخه بشده.

بقي لي الجزئية الاخيره حول كيفية التعامل مع هذه الظاهره .. كما قلت هذه الظاهره سمه عامه للمجتمع لذا لايجب تحميل تبعاتها بشكل خاص لما يسمى مجازا الباسكن روبينيات ولا يجب لومهم على ممارسة ثقافتهم المجتمعية خصوصا اذا كنت مؤيدا للمبادرة والحراك .. الافضل التفهم والتعامل مع الموضوع بدرجة هدوء اعلى وتوجيه العمل نحو حل الاشكالات المجتمعيه من اساسها لتقليص هذه الظواهر لدى مختلف فئات المجتمع.

علاج المجتمع من هذه الظواهر يبدأ من زرع ثقافة الحوار وتقبل الاختلاف والتعدديه في المنزل اولا .. يجب ان لا نقمع اراء وافكار اولادنا وبناتنا حتى لو اختلفنا معهم .. بل نزرع فيهم الثقه بالنفس والقدره على تقبل الرأي الاخر حتى لا نكبتهم ونجعلهم اما ضعيفين وهشين يريدون فقط ان يكونوا جزءا من القطيع او متمردين قابلين للانفجار في اي لحظه بمبرر او بدونه.

وكما نمارس ذلك في منازلنا يجب ان نمارسه في مدارسنا واعمالنا ومع افراد مجتمعنا حتى تسود ثقافة الحوار وتقبل الاخر والتعدديه .. لا يمكن ولن يحدث ذلك بين يوم وليله .. الامر يحتاج لكثير من الوقت والجهد والاصرار حتى نحقق نتائج ملموسه تنعكس ايجابيا على مجتمعنا ككل.

والى ان نصل لذلك .. يجب ان نصبر على من يسمون مجازا بالباسكن روبينيات .. فحتى لو مارسن ممارسات خاطئة فهن يحاولن احداث التغيير بالوسائل التي اعطاها لهن مجتمعهن .. دعوهن يطالبن .. دعوهن يصرخن ويهاجمن .. فهن في فترة التكوين وسيصححن اساليبهن مع التعلم والخبرة والاخطاء وان طورنا مجتمعنا فسيتطورن معه .. وربما يكن هن من يطور المجتمع ويصلحه في مسار اصلاح اخطائهن.

حتى لو انتقدتموهن فلا تقمعوهن فهن قائدات المستقبل .. بل هن المستقبل.

احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
26 اوكتوبر 2016