كتبت هذا المقال في اوائل شهر ديسمبر من عام 2015 .. وحتى هذه اللحظة في الربع الاخير من 2016 لم اشاهد اي تغيير .. بالعكس ارى التوجهات التي بنيت عليها المقال اكثر وضوحا والقرارات التي كانت تدرس صدر الكثير منها .. لذلك اعيد نشره كما كتبته وقتها.
قرأت اليوم نقاش عن اسعار النفط .. النقاش كان يدور حول هل الاسعار تتجه نحو الارتفاع ام الهبوط في 2016 .. قد تكون تصريحات الوزير النعيم الاخيره لها علاقه باثارة النقاش لكن لا احد ينكر ان الموضوع هذا موضوع ساخن منذ فتره من قبل كل المهتمين .. وبعض غير المهتمين.
المثير في النقاش هو الاختلاف الحاد بين اطرافه .. البعض يصر على ان اسعار النفط ستبلغ ال 100 دولار للبرميل في نهاية 2016 بينما اخرين يرون انه سيستمر بالانخفاض الى مادون ال 25 دولار.
شخصيا ليس لدي من العلم والاطلاع ما يؤهلني لاصدار توقعات خاصه بي .. لكني استطيع مراقبة خط سير جهتين مختلفتين على علاقة وثيقة بهذا المنتج الحيوي .. الجهه الاولى هي الحكومة السعودية .. الجهه الثانية تقع هنا في امريكا حيث اقيم في هيوستن, تكساس .. كما يمثل البترول الخبز والماء للسعوديين فهو يمثل المورد الاقتصادي الاول والاهم للاعمال في تكساس بشكل عام وفي هيوستن بشكل خاص والتي تسمى العاصمة العالمية للطاقة.
رغم التصريحات الحكومية السعودية عن استمرار الانفاق على مشاريع البنية التحتية وعدم تأثر الاقتصاد بشكل مباشر وضارب بانخفاض اسعار النفط الا ان المراقب يستطيع ان يلمس بسهولة ووضوح ان الحكومة السعودية تعمل جاهده على التأقلم مع اسعار نفط منخفضه لفتره طويلة نسبيا.
صحيح ان الكثير من الجهود الحكومية السعودية تمثل اهداف استراتيجية طويلة المدى وقديمة في الطرح مثل تنويع مصادر الدخل وايقاف الصرف على المشاريع المتعثره والمتأخره (وربما الفاشله) الا ان الجهود الرامية لتخفيض وضبط مصاريف الدولة لاتخفى على العيان .. تأجيل المشاريع المقرره لمجرد عدم بدايتها وتحجيم بنود معتمده سابقا وغيره من الاجراءات والتصريحات واضح جدا .. الامير محمد بن سلمان ذكر صراحة في لقاء صحفي ان السعودية تعمل على اجراءات اقتصادية متعدده تضمن استمرار مرونة حركة الحكومة والاقتصاد حتى لو بلغ سعر النفط 30 دولارا للبرميل .. قد يكون لاضطرابات المنطقة والصراعات التي نخوضها بشكل عام تأثير مهم على هذه السياسات .. لكن يبقى العامل الاهم هو اسعار النفط .. فهو فعليا لا مجازا خبز وماء السعوديين.
على الجهه الاخرى .. رغم تعدد مصادر الدخل واتجاهات النمو في هيوستن ورغم احتضانها لعدد من المشاريع الضخمة والحيويه التي تمثل اتجاهات نمو رئيسية كمركز ناسا واكبر مركز طبي في امريكا الشمالية واحد اهم موانئ امريكا على خليج المكسيك .. وبالرغم من التوجهات الكبيرة نحو صناعات التقنية الطبية والحاسوبية وغيرها من توجهات الاقتصاد في المنطقة الا ان صناعات الطاقة سواء كبترول او غاز او بيتروكيماويات كانت ولا زالت اهم معالم هيوستن الاقتصادية وشريان الاقتصاد الاهم.
هيوستن شهدت نهضة اقتصادية ضخمة خلال السنوات الماضية انتجت نموا ضخما .. قطاعات كاملة من المدينة تشهد ازدحاما سكانيا ضخما هذه الايام لم تكن موجوده اصلا قبل عقد من الزمان .. نمو الوظائف في هيوستن بعد الازمة الاقتصادية في 2008 نافس كامل النمو الامريكي وبالرغم من ازمة العقار الكبرى التي تسببت في انهيار تام لاسعار العقار في العديد من المدن الامريكية الا ان اسعار العقار في هيوستن تنمو باضطراد وسرعة كبيرة جدا خلال السنوات الماضية.
كل هذا النمو والازدهار الغير مسبوق على مستوى المنطقة في فترة ركود ضخمة كان ناتجا عن حيوية سوق الطاقة وارتفاع الاسعار الضخم الذي استمر لسنوات عديدة متوالية.
لكن ماذا عن الصورة اليوم؟ رغم استمرار النمو الاقتصادي وتواصل اندفاعه الا ان صانعي القرار والرأي العام في هيوستن يتحدثون عن ان افضل ايام المدينة اصبحت وراءها وانه لابد من العمل على اساس فتره انكماش قادمة قد تطول .. دكاترة الجامعات في اقسام الادارة والاقتصاد الذين نحتك بهم يوميا يتحدثون عن ذلك باستمرار ووضوح .. ورغم الاغلبية المحافظة في تكساس والتي تميل دائما لاجهزة حكومية اصغر بمصاريف اقل وضرائب اقل الا ان جميع الحملات الانتخابية للمرشحين للمناصب المختلفه في الحكومة المحلية للمدينة والمقاطعه تركز على كيفية الاستمرار في اصلاح واعادة بناء البنية التحتية مع ضبط المصاريف وتحفيز الاقتصاد.
عندما يكون النمو الاقتصادي كبير ومستمر يكون دخل الحكومة متصاعد حتى مع تخفيض الضرائب وبالتالي يكون كل ما تحتاج له هو مواكبة هذا النمو سواء في الخدمات او البنية التحتيه والتشريعات .. لكن من الواضح ان نظرة صناع القرار مبنية على اساس انكماش يستمر لفتره طويلة نسبيا .. بالتالي لابد من العمل على تحفيز الاقتصاد باساليب متعدده للحد من تأثير الركود وضبط المصاريف للتمكن من الاستمرار بالصرف على البنية التحتيه (يرى البعض البنية التحتية لهيوستن متهالكه خصوصا فيما يخص الطرق الفرعية وتصريف السيول) دون زيادة في ضرائب الملكية العقارية (لايوجد في تكساس ضريبة دخل) المرتفعه اصلا في تكساس.
المزاج الاقتصادي في كلا المنطقتين المعتمدتين على البترول كشريان رئيسي للحياة متعكر ومتشائم ويعمل على التجهز لتحمل اوضاع واسعار اسوأ لفترات قد تطول .. لذا يبدو من المعقول جدا ان يكون توقعنا لمستقبل اسعار النفط سلبي حتى لو لم نمتلك ادوات ومعلومات استشراف مستقبل اسعار النفط .. من يملكونها يبدون عابسين متجهمين فلماذا لا نكون نحن كذلك.
احمد الحنطي
هيوستن, تكساس
ديسيمبر 2015