اصبحنا مؤخرا نسمع كثيرا هذا الوصف (حزبي او متحزب) وهو يأتي ضمن سياق نقدي في اغلب الحالات حتى اصبح هذا الوصف تهمة في حد ذاته .. فياترى .. هل التحزب آفة او تهمه فعلا؟ ام هو مجرد وصف؟ لنجيب على ذلك يجب ان نفهم معنى الكلمة اولا .. وسياقات استخدامها في الحراك المحلي ثانيا.
الحزبي او المتحزب هو العضو العامل في احد الاحزاب .. او المؤيد بشكل مطلق لاحد الاحزاب على الاقل .. حيث ينقسم المواطنون بشكل عام في الدولة الى حزبيين .. سواء كانوا ناشطين في الاحزاب المختلفه او مؤيدين لاحدها بشكل تام وبالتالي يتبعون توجهاته ويخدمونها في صناديق الاقتراع وفي انشطتهم وحراكهم صغر او كبر .. ومستقلين لا يتبعون حزبا محددا بشكل مطلق .. المستقلين عادة اما ان يكونوا مواطنين غير ناشطين سياسيا ويصوتون او يشاركون في الحراكات المختلفه حسب ما يرونه الطرح الانسب في تلك اللحظه تحديدا .. واما ان يكونوا ناشطين ولكن لهم قضية محدده يعملون ضمن نطاقها وبغرض دعمها بشكل مستقل عن الاحزاب .. في الواقع جزء كبير من عمل الفئة الاخيرة يكون بغرض توجيه مختلف الاحزاب نحو دعم هذه القضية .. من الامثلة على ذلك الناشطين في حقوق المرأه او ناشطي الحقوق المدنية او البيئه الخ.
طيب .. الكلام اعلاه كله جميل ولا يظهر الحزبي او المتحزب باي مظهر سئ .. بالعكس غالبية المناضلين المخلدين في التاريخ الحديث كانوا ملتزمين حزبيا بدرجة عالية .. سواء كان توجه احزابهم يمينيا او يساريا .. فلماذا تظهر الكلمة لدينا ضمن سياق اقرب للشتم وليس الانتقاد فقط؟
ذلك عائد في اعتقادي الى ثلاث عوامل .. اثنان عمليان والثالث فكري .. وبينها بعض التداخل .. العامل الاول هو عدم وجود تعدديه سياسية .. وهذه صفة وليست نقدا خصوصا في حالة دول الخليج .. فأنظمة دول الخليج .. مع استثناء محدود للكويت .. لا تدعي انها انظمة ديموقراطية او تعدديه .. بل هي انظمة شمولية عادلة حسب وصف دساتيرها وانظمة الحكم فيها .. في علم السياسة غالبا ما تقسم الانظمة الى ثلاث انواع رئيسية .. النوع الاول هو الانظمة الديموقراطية .. النوع الثاني هو الانظمة الشمولية العادلة .. النوع الثالث هو الأنظمة الشمولية المستبدة .. لمن اراد الاستزاده عن هذه التقسيمات يمكنه البحث باللغة الانقليزية عن هذه المصطلحات .. totalitarian .. authoritarian .. tyrannical .. democratic
بالرغم من سهولة ووضوح التقسيم نظريا الا ان تطبيقة على ارض الواقع يواجه صعوبات جمه .. على سبيل المثال كثير من الانظمة التي تدعي الديموقراطية في ظاهرها هي في حقيقتها انظمة شمولية مستبدة كأنظمة روسيا والصين وايران وبعض الجمهوريات العربية.
بالعودة الى محور حديثنا .. انظمتنا العربية في غالبيتها العظمى اما انظمة شمولية عادلة او انظمة شمولية مستبدة .. وكلا النوعين يرفضان العمل الحزبي .. وهذا الرفض اما ان يكون معلنا ومنصوصا عليه في الانظمة والدساتير كما هو حال جميع دول الخليج واما ان لا يكون معلنا ولكنه محارب فعليا من قبل النظام الحاكم نتيجة لشمولية هذا النظام ورفضه للتعدديه ومحاربتها عن طريق الاستبداد والاضطهاد.
حتى في الكويت الدولة الخليجية الوحيدة التي ينص دستورها على شكل من اشكال الديموقراطية تمنع الانظمة فيها تشكيل الاحزاب بشكل رسمي والعمل الحزبي فيها يتم عن طريق تشكيل تكتلات غير موثقه قانونا كأحزاب سياسية.
بالتالي فان الحزبية اما ممنوعة قانونا .. وبالتالي هي جرم وسبه .. وانا مرفوضه بطبيعة الحال .. وبالتالي تحارب ويشوه ممارسوها.
العامل الثاني وهو الاهم في رأيي هو ظاهره شبه خاصه بمنطقتنا .. الا وهي الاحزاب العابرة للاوطان .. لا ادعي اطلاعي على كامل التجارب العالمية .. ولكن اذا ما استثنينا الاحزاب الشيوعية .. لا اذكر انني اطلعت على تجربه في اي مكان في العالم فيها احزاب ذات ولاءات عابرة للحدود الوطنية .. انا لا اتحدث هنا عن مبادئ او افكار مشتركه .. انا اتكلم عن ولاء وتبعية لتنظيم اعلى خارج حدود الوطن.
لو عدنا للوراء قليلا لشاهدنا الحركة القومية العربية وهي الممثله في الحركات القومية الثلاث الكبرى .. الناصرية والبعث والقوميين العرب .. كل الحركات الثلاث مثلت ولاءات عابره للحدود حتى لو كانت مبنية اصلا على مبادئ مشتركه .. وبالرغم من ان التاريخ يرينا انفصال هذه الحركات عند وصولها للحكم كما حدث في حزب البعث الذي تمت القطيعه فيه بين الفرع العراقي والفرع السوري بعد وصول الاثنين للحكم .. الا انها بقيت ولاءات عابره للحدود تدين بالتبعيه لانظمة خارجية في كل فروعها التي لم تصل للحكم في بقية الدول.
في الوقت الحالي يوجد حركتين تمثلان نفس المسار من وجهة النظر السياسية .. الاولى هي حركة الاخوان المسلمين .. والتي رغم تنصل بعض فروعها من التبعيه المباشره لقيادة التنظيم بشكل او بآخر .. الا انها وبحسب ادبيات الحركة ومسيرة افرادها كما يراها الكثيرون ولاء عابر للحدود يدين بالسمع والطاعه لمجلس الارشاد.
الثانية تظهر في الجانب الشيعي من المنطقة .. وهي حركة الولي الفقيه والتي يدين اتباعها بالسمع والطاعه للولي الفقيه في ايران .. قد لا نكون معنيين او مهتمين كثيرا بالثانية بسبب انها رغم عدائها الصريح لانظمتنا وشعوبنا الا انها محصورة بشكل كبير في الشيعه والذين يمثلون اقليات صغيره في اغلب دولنا .. لذا فهي لا تشكل نقطة اتهامات متبادله كثيرا في حراكنا المحلي.
لكن حركة الاخوان المسلمين وضعها مختلف تماما .. فهي حركة ذات منشأ عربي سني و لها انتشار ووجود كبير في غالبية الدول العربية وتحكم او تشارك في الحكم في بعضها .. فاذا ما ربطنا بين الولاء العابر للحدود والذي يعتبر عدوا لاي دولة وطنية .. وجميع دولنا وطنية .. مع منع العمل الحزبي حتى لو كان ولاؤه وطنيا داخل كثير من دولنا .. دول الخليج بشكل خاص .. نفهم لماذا تصبح كلمة حزبي اتهاما وليس مجرد وصف او حتى نقد.
لهذه الاسباب تحديدا تجد شخصا يدعو علنا للديموقراطية والتعدديه ولا يتورع بنفس الوضوح والعلنية من اتهام شخص اخر بانه حزبي .. فهو لا يرى تعارض بين كون الحزبية تهمه .. وكونها جزء رئيس من العمل الديموقراطي الذي يدعو له ولتعميمه .. فالاخيره عمل وطني .. بينما الاولى خيانه وطنيه في تصوره .. بالتالي استخدامه لكلمة حزبي هو في الواقع اتهام بوجود ولاء خارجي لدى الطرف المتهم .. ولذلك هي تهمه خطيرة وكبيرة.
العامل الثالث .. وهو العامل الفكري .. ان الحزبي غالبا ما يكون مؤدلجا .. بمعنى انه يتبع ايدلوجية الحزب ويبرر توجهاته وافكاره وتصرفاته مهما كانت .. هو في كل حراكه لا يبحث عن الافضل او الاصح .. هو يبحث عن ما يراه الحزب .. وعند اي نقاش .. هو لا يبحث عن الحقيقه .. بل يبحث اما عن تبرير توجهات وتصرفات الحزب او مهاجمة توجهات وتصرفات من لا ينتمي للحزب .. وبالرغم من ان هذا يعود غالبا لايمانه التام بصحة وسلامة تصرفات وتوجهات الحزب .. وهذه هي الادلجه .. الا ان هذا السلوك يبقى دائما مثلبه تؤخذ على الحزبي الملتزم في كل مكان وزمان ولا تقتصر علينا بشكل خاص.
اضيف ان وصف الولاء العابر للحدود ينطبق ايضا على اتباع التنظيمات المتطرفه لكني اهملت الحديث عنها لان اعضائها ومؤيديها رغم ادلجتهم وولائهم العابر للحدود الا انه لا يوصفون عادة بالحزبيين او المتحزبين ضمن سياق الحراك والنقاش المحليين.
ختاما .. اريد التوضيح انني لا اهدف من حديثي اعلاه الى انتقاد جماعة الاخوان المسلمين ولا الى تثبيت تهمة الولاء العابر للحدود عليها حتى لو كان حديثي في ظاهره يثبت هذه التهمه .. فالغرض من حديثي هو تحليل وشرح الصوره الذهنية لدى المساهمين في الحراك والنقاش لدينا وليس الفصل بين ما هو صحيح وماهو خاطئ في هذه الصورة الذهنية .. بمعنى آخر .. ان اقول ان فلان يرى كذا وكذا لا يعني باني اؤكد ولا انفي صحة رؤيته .. انا اشرحها فقط .. بالتالي اي ردود تنفي وجود هذا الولاء العابر للحدود سواء لدى اتباع الولي الفقيه او الاخوان المسلمين او حتى الجماعات التي اندثرت تقريبا من القوميين العرب بمختلف مشاربهم ليست ذات محل هنا.
احمد الحنطي
2 سبتمبر 2016
هيوستن .. تكساس