الانترنت .. وسائل التواصل الاجتماعي .. والاعلام .. الحاضر والمستقبل

ماهو مستقبل الاعلام؟ ماهي التغيرات التي استجدت في العقود الاخيرة؟ اين تقع وسائل التواصل الاجتماعي اليوم في معادلة الاعلام وماهو مستقبل هذا الموضع؟ ماهي النتائج المستقبلية لهذه التغييرات وتأثيرها على ثلاثي وسائل الاعلام والمتلقي وقنوات التواصل بينهما بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي؟ سأحاول الاجابة عن هذه الاسئلة ولافعل ذلك سأبدأ من البداية .. بداية التغيير الذي احدثه دخول الانترنت كوسيط تواصل جديد قلب كل شئ رأساً على عقب.

حديثي سيكون مركزا على امريكا بشكل خاص وذلك نتيجة لعاملين .. اولها القيادة الامريكية لكثير من التوجهات في مختلف المجالات وانعكاس مايحدث فيها على الجهات الاربع وقدرتها على استلهام التوجهات التي تظهر في مناطق اخرى وتبنيها بسرعه ومرونه مما يجعل التجربة الامريكية صورة صادقة الى حد كبير لما حدث وسيحدث في العالم كله .. وثانيها اطلاعي على التجربة الامريكية بشكل اكثر تفصيلا من بقية التجارب الرائدة الاخرى.

قد لاتنطبق كل الاحداث على اعلامنا المحلي وقد لاتنعكس جميع التغيرات المتوقعه عليه في المستقبل بنفس السرعه لوجود اختلافات في بعض الجوانب ووجود عوامل خاصه بنا لا تتوفر في مناطق اخرى من العالم .. لكننا في النهاية جزء من هذا العالم ونتأثر به وحتما ستصلنا هذه التغييرات بشكل مقارب لما يحدث في الاماكن الاخرى من العالم لذا من المهم ان نحاول فهمها باكرا كما انه من المهم ان نراعي الفروقات عند تطبيق النظرية على الواقع المحلي.

القصة بدأت مع ظهور الانترنت كوسيط جديد لايصال المحتوى .. الانترنت ليست حالة فريدة بكونها وسيط جديد يظهر لايصال المحتوى فقد سبقها وسائط اخرى كثيرة منذ اختراع الكتابة على الحجر حتى الاقمار الصناعية مرورا بالطباعه والتلقراف والبث اللاسلكي الخ. لكن الانترنت تميزت بخاصيتين هامتين .. الاولى سرعة الانتشار .. الظهور الحقيقي للانترنت كان في بداية التسعينات .. بعد ربع قرن فقط اصبح هناك ما يقارب ٤ مليار مستخدم بنسب اختراق عاليه في جميع مناطق العالم تقريبا .. الثانية سرعة التطور .. خلال هذه الفتره القصيرة نسبيا تحولت الانترنت من وسيط لنقل النصوص الى وسيط تفاعلي شديد الحيوية تخطى نقل جميع انواع المحتوى الى التفاعل معه بوسائل تتجدد وتطور بسرعه شديدة جدا بدرجة قلبت معادلة (الحاجة ام الاختراع) الى ايجاد اختراعات جديده اولا ثم استحداث حاجات تلبيها هذه الاختراعات.

التأثير الرئيسي للانترنت على الاعلام جاء من تأقليصها لكلفة انتاج وتوزيع المحتوى وبالرغم من انه حدث بسرعه نسبيا الا انه مر بعدة مراحل .. في المرحلة الاولى كانت الكلفة كبيرة نسبيا .. ادوات انشاء وتشغيل المواقع التقليدية كانت مكلفة .. لذلك كان تبنيها محصور في الجهات الاكاديمية ومؤسسات انتاج المحتوى الكبيرة .. كالصحف الكبرى مثلا حيث بدأت الصحف في انشاء مواقع لها على الانترنت توفر خيار بديل لقراءة النسخه المطبوعه .. هذا ظهر باكرا حيث توجد تجارب لذلك من السبعينات .. لكن التسعينات هي ماشهدت نموا كبيرا لهذا التوجه .. لكن حقيقه ان الكلفة عالية .. وربما ضعف اختراق الانترنت للسوق نسبيا .. جعلت الامر حصريا على المؤسسات التقليدية لفترة من الزمن.

استمرار انخفاض الكلفة وارتفاع انتشار استخدام الانترنت ساهم في ظهور ظاهرة جديدة .. الا وهي الصحف الالكترونية .. هذه الصحف هي مؤسسات اعلامية تقليدية في طريقة انتاجها للمحتوى .. لكنها تختلف في امرين .. الاول انها تعتمد على الانترنت حصريا كوسيط لايصال المحتوى للمستهلك .. والثاني انها تعتمد على الاعلان بشكل حصري كمصدر للدخل.

ظهرت نتيجة لذلك عدد من الصحف التي حققت انتشارا كبيرا مع مرور الزمن مثل بوليتيكو وبزفيد وبيرتبارت وغيرها .. وصاحب ذلك ظهور طريقة جديدة لحساب قيمة الاعلان .. بدأ التوجه يتحول من السؤال حول كم توزع الصحيفة من نسخه الى كم شخصا سيشاهد اعلاني على شاشته .. هذا التحول كان تابعا لما حدث في التلفزيون وله نفس السبب .. اذا لم يكن هناك ارقام توزيع محدده مربوطه بعدد الاشتراكات وارقام المبيعات فدراسات ارقام الانتشار هي البديل .. عدد مشاهدي برنامج ما في قوائم الريتنق التي تصدر كل يوم اصبح مقابله في الانترنت عدد زيارات الموقع .. وكما اصبحت قنوات التلفزيون تلهث خلف الاثارة لايقاف اصبع المشاهد قبل ضغطه لزر تغيير القناة في التلفزيون اصبحت المواقع تسعى لجذب ضغطة الاصبع على زر الفأرة او شاشة الجهاز لتسجيل click اضافي.

هذا التوجه كان موجودا دائما وهو العامل خلف ظهور وبقاء التابلويد او الصحافة الصفراء .. وظهوره في قنوات التلفزيون صحبه تقنين كبير لطريقة عملها .. هذا التقنين انتقل للصحف الالكترونية ايضا فهي مؤسسات اعلامية قائمة ومرخصه تعمل ضمن حدود قوانين الاعلام ايضا لذلك وجدت مواقع التابلويد كما وجدت المواقع المتطرفه سياسيا سواء يمينا او يسارا كما وجدت صحف الكترونية محترمه ذات مصداقية واحترام عاليين وظل كل ذلك في حدود معينه تحت درجة من الاشراف القانوني.

لكن تطور الانترنت كما اشرنا سريع ومستمر .. لذا ظهرت شركات مجال عملها الاساسي هو تسهيل ايصال المحتوى بين المنتج والمتلقي اكثر واكثر .. هذا مر بمراحل كثيره .. برامج جاهزة للمواقع سواء لتأسيسها او ادارتها او تصميمها الخ .. في كل خطوة كانت العملية تصبح اسهل والمجال يتسع لدخول منتجي محتوى اكثر.

حتى وصل الامر الى قمته بظهور وسائل التواصل الاجتماعي .. اصبحت هذه الشركات تفعل لك كل شئ مجانا .. تعطيك ادوات لانتاج المحتوى ونشره بل وتعلن لك عنه وكل ذلك بالمجان .. فقط انت تحتاج لجهاز صغير كلفته نفس كلفة اول جهاز كمبيوتر شخصي لم يكن يفعل اي شئ اكثر من تنسيق بعض النصوص او اجراء بعض الحسابات الاوليه (اول جهاز كمبيوتر شخصي انتشر من ابل كانت قيمته ٦٦٦ دولار .. قوقل بيكسل ٢ قيمته اليوم ٦٤٩ دولار) وبدون اي حاجة لاي معرفة عميقة بأي من مراحل انتاج المحتوى او توزيعه.

هذا التغيير السريع وخلال هذه الفترة القصيرة كان له آثار كبيرة نراها اليوم وهذه الآثار ستحدث تغييرات مستقبلية كبيرة يمكننا ملاحظة بوادرها التي بدأت تظهر ويسهل علينا عملية استشفافها والتنبؤ بمستقبلها .. في المقال القادم ان شاء الله سنتابع عملية تعداد هذه الآثار ورصد بوادر التغيير لنعرف اين نقف اليوم بالضبط ومن ثم نستشف المستقبل .. ودمتم،

احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
٣ فبراير ٢٠١٨