كثيرا ما نتحدث هذه الايام عن قانون الرعاية الصحية الامريكي الجديد وسيزيد الحديث عن ذلك بعد مرورة من مجلس النواب وانتقاله لمجلس الشيوخ مع كل الاثارة التابعة لذلك .. هل تتحقق مفاجأه ويمرر مجلس الشيوخ القانون كما هو ؟؟ ام سيموت القانون على عتبات مجلس الشيوخ ؟؟ ام ان ما يتوقعه المحللون بان يقوم مجلس الشيوخ بادخال تعديلات كبيرة على القانون قبل تمريره هو ما سيحدث؟؟ وهل سيقبل مجلس النواب بتعديلات مجلس الشيوخ؟؟
سنسمع هذه الاسئلة واجابات المحللين عليها كثيرا خلال الفترة القادمة .. وخلال هذه الاحاديث سنسنع الكثير من النقاش حول مشاكل القانون وميزاته .. من سيتضرر ومن سيستفيد منه .. وغالبا سنرى تركيزا اكبر على الفئات المتضرره .. وهذا طبيعي فالحقيقه ان القانون سئ فعلا سيتضرر منه الاغلبية.
باختصار القانون يخدم الاصحاء صغار السن ذوي الدخل العالي .. كما انه يلغي ضرائب صحية (تتراوح بين ٠.٩٪ و ٣.٨٪) عن الفئات ذات الدخل المرتفع (اكثر من ٢٠٠ الف دولار سنويا) .. ايضا شركات التأمين ستستفيد منه لانه الغى بعض الشروط المفروضة عليها .. اخيرا بعض الشركات المتوسطة والكبيرة (عدد موظفيها اكثر من ٥٠) ستستفيد منه لانه يلغي اجبارها على تقديم تأمين طبي للموظفين.
المتضررين من القانون هم ذوي الامراض المزمنه وذوي الدخل المحدود وكبار السن .. نسبة تضرر الفئات هذه مختلفه .. بعضها سترتفع عليه تكلفة التأمين بشكل محدود نتيجة تقلص الدعم الحكومي .. وبعضها سترتفع كلفة التأمين عليه بشكل كبير لدرجة قد تجعله غير قادر على تحملها .. وبعضها سيحرم من التأمين الطبي تماما لان كلفة التأمين حتى بعد خصم الدعم الحكومي ستكون اكبر من اجمالي دخله.
لكن السؤال الذي ربما لا يطرحه احد .. او يطرحه ولا يجيبه اجابة صريحة وواضحة .. هي لماذا يقوم الجمهوريين بذلك ؟؟ ماهو الدافع وراء العمل الدؤوب لتمرير قانون يبدو ساما كهذا القانون سينتج عنه في احسن الاحوال حرمان عدة ملايين (قد تبلغ ٢٤ مليون) من المواطنين من التأمين الطبي وفي اسوأ الاحوال خسارة الجمهوريين لكل المكاسب السياسية التي حققوها خلال السنوات الماضية؟
الجمهوريين ليسوا اشرارا ولا يكرهون المواطنين او الفقراء كما قد يتخيل البعض عند قراء مثل هذه التحليلات لنتائج القانون وليسوا جهله لا يعرفونها .. لكن سعيهم هذا ناتج عن رؤيتهم للاقتصاد المثالي وعن الطريقة الافضل لتحفيز الاقتصاد وبالتالي تحقيق الرفاه للمجتمع.
لتتضح الصورة اكثر يجب ان نلقي نظرة اشمل .. اوباما دخل البيت الابيض في وقت كان الاقتصاد الامريكي يعاني من ازمة خانقة .. الاقتصاد الامريكي خرج من الازمه بصعوبة .. حاليا اصبحت تلك الازمه وراءه تماما .. البطالة في ادنى مستوياتها والنمو يرتفع .. لكن الجمهوريون ايضا يرون انه من الممكن رفع تسارع النمو الاقتصادي بدرجة كبيرة.
هم على قناعة ان السياسات اليسارية لاوباما اخرت النمو الاقتصادي .. وان امريكا في هذا الوقت تحديدا مستعده للانطلاق بقوة وتحقيق معدلات نمو اعلى بكثير سواء على مستوى اجمالي الناتج المحلي او على مستوى معدلات الرواتب فهم يعتقدون ان نمو الناتج المحلي ضعيف وان انخفاض البطالة ليس جيدا كفاية لانه بالرغم من ارتفاع عدد العاملين الا ان معدلات دخل الاسر مستقرة لم ترتفع بالشكل المطلوب.
في اعتقاد الجمهوريين ان من يحقق نمو الناتج المحلي ومعدلات دخل الاسر هو الشركات الكبرى فهي من تحقق الارباح وهي من تدفع الرواتب .. سياستهم تقوم على فكرة اعطاء تلك الشركات ما تحتاجه للنمو واذا تحقق هذا النمو ستتوسع هذه الشركات في اعمالها وبالتالي في التوظيف .. عندما توظف الشركات مزيدا من العاملين تصبح المنافسة على استقطاب العامل اكبر وبالتالي تبدأ تلك الشركات في تقديم عروض افضل للعاملين فيها سواء كان ذلك عن طريق رواتب اعلى او مميزات وظيفية افضل (كتأمين طبي افضل مثلا).
كيف يمكن اعطاء الشركات ما تحتاجه لتحقيق النمو ؟؟ اجابتهم عن ذلك تنحصر في تخفيض كلفة اداء الاعمال على الشركات لتتوفر لها سيولة اكبر تستغلها في التوسع .. تقليل الكلفة يتم عن طريق امرين حسب رؤيتهم .. تقليل الاشتراطات والقوانين التي تنظم عمل الشركات .. وتخفيض الضرائب.
التخفيض الكبير في ضرائب ذوي الدخل العالي الذي يسعى الجمهوريون لاقراره خلال الاشهر القادمة يحتاج لتمويل .. لا احد يريد رفع الدين الحكومي بدرجة كبيرة .. كما ان الجمهوريون لا يريدون المساس بميزانية الدفاع .. بل ربما يريدون زيادتها .. اذن كيف سيمولون التخفيض الضريبي؟؟
الاجابة هي الرعاية الصحية .. تمثل الرعاية الصحية أحد اكبر بنود الصرف في الميزانية الفيدرالية .. تخفيض هذا البند يستلزم تقليص مساهمة الحكومة في دعم التغطية الصحية التي توسعت كثيرا باقرار اوباماكير .. لكن هذا التقليص يجعل عمل شركات التأمين الطبي صعب وربما مستحيل في ظل شروط اوباماكير التي تفرض حدود دنيا للتغطية وحدود عليا للكلفه لذا تم تقليص هذه الشروط وترك الطبقات الاقل دخلا والاكثر حاجة للدعم الحكومي في التأمين الطبي تتحمل الضربه على امل ان النمو الاقتصادي الناتج عن تحفيز الاقتصاد سيعوضها.
هذه هي وجهة نظر الجمهوريين .. خصوصا المحافظين المتشددين منهم .. لكن الديموقراطيين وقطاعات كبيرة من المستقلين وحتى المعتدلين من الجمهوريين يختلفون معها .. فهم يرون اما ان الفائدة لن تتحقق فعليا من التحفيز بهذه الطريقة .. او يرون انه حتى لو تحقق التحفيز فلن تصل الفائدة للطبقات المتضررة بشمل كبير من هذه الخطة .. او في اثل حالات المعارضه ان التغطية الصحية .. خصوصا لكبار السن وذوي الدخل المحدود .. اهم من ان يتم العبث بها بهذا الشكل خصوصا ان التقدم الاقتصادي لايمكن ان يعوضهم هذه الخسارة .. هذه الآراء لها تبريراتها وشروحاتها ايضا .. لكن هذا حديث آخر.
أحمد الحنطي
٥ مايو ٢٠١٧
هيوستن .. تكساس