شئ من الفلسفة .. حجة المنحدر الزلق

اطلعت اليوم على مقال للاستاذ عبدالرحمن السلطان في جريدة الرياض بعنوان “مغالطة المنحدر الزلق” .. رغم عدم اعتراضي على مجمل ماطرح في المقال الا ان لي تحفظ على وصف المنحدر الزلق بالمغالطة وقد تكون محدودية المساحة في الصحيفة دفعت الاستاذ عبدالرحمن للاكتفاء بطرح الجانب الاهم للموضوع حسب رؤيته لذا احببت ان اضيف مزيدا من الحديث والشرح حول منطقية حجة المنحدر الزلق ولوازم الاخذ بها.

المنحدر الزلق او بالانجليزي slippery slope حجة منطقية سليمة .. لكنها مثل اي حجة منطقية لها شروط لازمة للاحتجاج بها .. الشرط اللازم للاحتجاج بالمنحدر الزلق هو ان تثبت بشكل قاطع ان اتخاذ الخطوة الاولى سيؤدي حتما لاتخاذ الخطوة الثانية.

هذا ينقلنا للسؤال الثاني .. كيف يمكن اثبات ان الخطوة الاولى تؤدي حتما للخطوة الثانية؟ يوجد طريقة واحدة حاسمة تثبت هذا الامر بشكل قاطع .. وهي ان تثبت ان الدواعي لاتخاذ الخطوة الاولى متوفرة ايضا في الخطوة الثانية .. وانه لايوجد محاذير متوفرة في الخطوة الثانية وليست متوفرة في الخطوة الاولى.

مثال على ذلك تشريع القتل الرحيم الايجابي .. وهو اعطاء جرعة قاتلة للمريض الذي يعاني آلاما لايريد تحملها ولايوجد وسيلة معروفة لعلاج المرض الذي يعانية .. يمكن استخدام حجة المنحدر الزلق لرفض تشريع القتل الرحيم لانه يؤدي حتما لتشريع المساعدة على الانتحار بشكل كامل.

حجة تبرير تشريع القتل الرحيم هي مساعدة المريض الميؤوس من علاجة على التخلص من آلامة التي لا يريد تحملها بدرجة جعلته يزهد بحياته .. يمكن ببساطة ربط الآلام الجسدية التي ادت للزهد بالحياة بالآلام النفسية .. نفس المبرر المستخدم لتشريع مساعدة من يعاني مرضا مستعصيا على الانتحار يمكن استخدامه لتبرير مساعدة من يعاني من آلام نفسية لايريد احتمالها وزهد بحياته بسببها .. في هذه الحالة لايمكن فعليا وضع حاجز اخلاقي يفصل مبرر القتل الرحيم في الحالة الاولى عن الثانية فالمبرر منطبق على الحالتين .. كما انه لايوجد محاذير تنطبق على الحالة الثانية ولا تنطبق على الحالة تجعل من الممكن الاحتجاج بان تشريع الاولى لن يؤدي للثانية.

يمكن ايضا استخراج مثال آخر على الربط غير المنطقي .. كمن يبرر لمنع الحجاب في مقابل النقاب بالمنحدر الزلق .. بانه سيؤدي الى انتشار السفور المخالف للشرع .. الربط هنا غير صحيح .. الدافع لتشريع الحجاب هو الخلاف الفقهي حول هل تغطية الوجه واجبة على النساء ام لا .. لكن لايوجد خلاف فقهي حول وجوب الحجاب .. بالتالي لايمكن استخدام حجة المنحدر الزلق.

الدافع للخطوة الاولى وهي السماح بالحجاب .. لاينطبق على الخطوة الثانية وهي السفور .. كما انه يوجد محاذير تنطبق على الحالة الثانية .. وهي مخالفة تعاليم الشرع لاتنطبق على الحالة الاولى لكونه ليس ثابتا بشكل قطعي ان الحجاب يتعارض مع تعاليم الشرع.

نحن نعلم انه يوجد تحريم قاطع للانتحار والمساعدة عليه في الاسلام .. كما نعلم ان البعض يحتج على منع الحجاب بتجاهل الخلاف الفقهي حول وجوب تغطية وجه المرأه .. والبعض الآخر يطالب بتشريع اي لبس بتجاهل تعليمات الشرع حول ضوابط لباس المرأه .. لكن نقاشي هنا غير معني بهذه الجزئيات  لان الغرض منه هو شرح المنحدر الزلق وكيف يمكن استخدامه كحجة منطقية وليس مناقشة جميع جوانب هذه القضايا.

الحجج المنطقية وطرائق الاستنتاج والربط الصحيحة اساس من اساسات علم الفلسفة .. تحريمنا لعلم الفلسفة بكل مكوناته بشكل شامل حرمنا من دراسة هذه الامور لذلك يفتقد كثير منا هذه الادوات فنسقط في دوامة نقاشات فارغة الدافع الوحيد لرواجها وتبني بعض المواقف فيها ناتج حصرا عن فشل الاغلبية في تقييم الحجج المختلفه واصدار احكام صحيحة عليها بطريقة علمية ولا اعتقد انه يمكن حل هذه المشكلة الا بادخال هذا الجانب على الاقل من جوانب الفلسفه كمادة اساسية لجميع التخصصات في الجامعات.

ودمتم،

احمد الحنطي
٣٠ ابريل ٢٠١٧
هيوستن .. تكساس