ارث اوباما الذي يسعى الجمهوريون للتخلص منه

نسمع بين فترة واخرى عن نية ترمب التخلص من “ارث اوباما” .. بعضنا يسعد بهذا التعبير لان ارث اوباما يرتبط باذهاننا بسياسة امريكا الانسحابية في الشرق الاوسط خلال سنوات ادارة اوباما .. لكن الحقيقه ان السياسة الخارجية لاتمثل الا جزء صغير من ارث اوباما الذي يريد الجمهوريين التخلص منه فالسياسة الخارجية لاتمثل الا جزء صغير من اهتمامات الداخل الامريكي.

يمكن وضع ارث اوباما تحت ثلاث تصنيفات رئيسية .. الاول هو الاحتباس الحراري .. وضع اوباما الاحتباس الحراري على رأس اولويات الادارة عندما حدده كالخطر رقم واحد على الامن الوطني الامريكي.

لايجب ان يستغرب احد هذا الربط بين الامن والمناخ .. لانه لو تحققت تحذيرات العلماء عن التغييرات المناخية فان الخسائر الاقتصادية والبشرية لدول العالم ومنها امريكا سيفوق اي خسائر تحدثها اي حروب يمكن وقوعها (باستثناء ربما حرب نووية).

تصريح اوباما لم يكن مجرد “كلام” بل تبعته افعال متعدده على اصعده عديدة يصعب حصرها كلها .. على الصعيد الدولي مثلا تمثلت جهودة في توقيع اتفاق باريس .. الحقيقه انه بالرغم من كون امريكا احد اهم مصادر الابحاث والتحذيرات الخاصه بخطر الاحتباس الحراري الا ان السياسة الامريكية لم تكن دائما على وفاق مع هذه التحذيرات وكثيرا ماكانت امريكا احد المعطلين للاتفاقات الدولية بهذا الشأن .. اوباما حول امريكا من قوة تعطيل الى قوة دفع في هذا المجال.

على الصعيد الداخلي اصدرت الحكومة الفيدرالية عددا لا يستهان به من التنظيمات الخاصه بدعم الجهود للتقدم نحو الطاقة النظيفة سواء بتمويل الابحاث في هذا المجال او تقديم دعم مالي للافراد والمنظمات لتنفيذ مشاريع تزيد من نسبة الطاقة النظيفة في استهلاكها (كتقديم تخفيض ضريبي يغطي كلفة تركيب الواح طاقة شمسية لاي صاحب منزل يقوم بذلك) او تقديم منح وتسهيلات للشركات العاملة في مجال انتاج الطاقة النظيفة او معدات توليدها .. ايضا وضع اوباما اشتراطات على الشركات المصنعه للسيارات لتخفيض استهلاكها من الوقود لحدود معينة خلال عدد من السنوات.

العمل في هذا المجال صعب جدا لانه يتعارض مع رغبات ومصالح شركات وتحالفات كبيرة في امريكا تبدأ من شركات صناعة السيارات لشركات انتاج الطاقة الكهربائية بكل انواعها وصولا لشركات انتاج النفط والفحم والغاز مرورا بعدد كبير من القطاعات الاقتصادية في امريكا سواء كان هذا التعارض لفرض شروط اكبر عليهم في استهلاك الطاقة وانتاج التلوث او تهديد انصبتهم من السوق بدعم شركات تقدم منتجات بديلة اكثر نظافة .. لذا يعتبر عمل اوباما والنجاحات التي حققها فيه تقدم هام جدا وجزء رئيسي من ارثه ولذا ايضا يعتبر التخلص منه هدف هام للمتضررين من هذا العمل.

الثاني .. حقوق الاقليات بكل ماتعنية كلمة الاقليات .. فهي ليست محصورة على الاقليات العرقية والدينية .. بل تشمل تصنيفات اخرى .. قوانين حقوق الاقليات مستقرة في امريكا منذ الستينات تقريبا .. لكن التفعيل ليس تاما حيث يشوبه عيوب كثيرة تختلف وتزيد وتنقص من مكان لآخر ومن اقلية لأخرى داخل امريكا.

احد الاقليات المهمه في امريكا هم المهاجرين الغير شرعيين .. يجب ان لايحدث خلط هنا بين طرح الجمهوريين وبين مافعلته ادارة اوباما على ارض الواقع .. عمل اوباما الرئيسي انصب في تقسيم المهاجرين الغير شرعيين الى فئات مختلفه ودعم الدعوة الى عدم وضعهم في سلة واحدة .. يجب الانتباه مثلا ان سنوات حكم اوباما شهدت اعلى معدل ترحيل للمهاجرين الغير شرعيين في التاريخ الحديث .. خلال سنوات حكم اوباما تحول معدل قدوم المهاجرين من امريكا الجنوبية للسالب لاول مره حيث اصبح عدد من يتم ترحيلهم (جبرا او باختيارهم) اكبر من عدد القادمين الجدد من امريكا الجنوبية.

لكن يوجد فئة من المهاجرين يمثلون اشكالية كبيرة .. وهم من دخلوا امريكا بطريقة غير نظامية وهم اطفال صغار خيارهم ليس لهم وبقوا فيها طوال حياتهم .. فهم لايعرفون غيرها وطنا .. يرى اوباما ومعه كثيرون ان هؤلاء الاطفال لايتحملون مسؤولية مخالفتهم للقانون بدخولهم للدولة بطريقه غير نظامية فهم اطفال صغار وقتها وهم لايقلون امريكية عن بقية المواطنين فقد عاشوا طوال حياتهم في امريكا ودرسوا في مدارسها ويدفعون الضرائب كأي مواطن امريكي لكنهم محرومين من كثير من الحقوق ويعيشون في الظل تحت الخوف من ترحيلهم لذنب ليس لهم يد فيه.

حاول اوباما ايجاد حل نهائي لهذه الفئة واتخذ عدة خطوات في هذا المجال عن طريق اصدار بعض الاوامر التنفيذيه لكنه فشل باتمام المشروع لرفض الكونقرس تمريره اولا وتعطيله من قبل المحاكم الفيدرالية لاحقا .. لكن الحقيقه انه بالرغم من فشل اوباما في تحقيق اهدافة كاملة في هذا المجال .. الا ان التقدم الذي احدثه في هذا المجال كبير ونوعي اعطى دفعا كبيرا للمنظمات العاملة في هذا المجال ولو لم يحقق كل ماكان يصبوا اليه.

من ارث اوباما ايضا الفصل بين الاسلام كدين وبين عمليات التنظيمات المتطرفة الارهابية .. اوباما رفض تماما استخدام تعبيرات مثل (الارهاب الاسلامي) او حتى (التطرف الاسلامي) ساعيا لتأسيس فصل بين الارهاب والاسلام .. وهذا طرح مهم لانه بالرغم من كون المنظمات المتطرفة تربط نفسها بالاسلام الا ان الفصل بين افعالهم وبين الاسلام عامل مهم في انجاح العمل ضدهم كما انه يحمي الاقلية المسلمة من الامريكيين من تحمل عواقب هذه الاعمال.

ايضا عمل اوباما على تعزيز حقوق فئتين هما الشاذين جنسيا والمتحولين .. هذا الموضوع حساس بالنسبه لجميع الثقافات المحافظة سواء كثقافتنا او ثقافة اليمين المتشدد في امريكا ولا اريد ان اخوض فيه كثيرا لكن الفئتين مختلفتين ومطالبهما مختلفه واوباما عمل على دعمهما معا لكن النجاح في هذا المجال محدود لسببين .. الاول ان الشاذين بالذات حققوا اغلبية مطالبهم قبل وصول اوباما للحكم والثاني ان الاستقطاب عالي جدا في هذا المجال .. بمعنى ان توجهات الناس مع او ضد مطالب هذه الفئات تتركز بشكل كبير جدا حسب المنطقة .. تجد مناطق اغلبيتها الساحقة ترى منحهم كل مطالبهم ومناطق اخرى اغلبيتها الساحقة ضد ذلك تماما لذا تجدهم يحققون تقدما كبيرا في بعض المناطق وتراجعات كبيرة في مناطق اخرى وتأثير الحكومة الفيدرالية في هذا المجال محدود بشكل او آخر.

التصنيف الثالث هو الرعاية الصحية .. تنظيم الرعاية الصحية اشكالية كبيرة جدا في امريكا .. سعى الديموقراطيين في امريكا لعقود طويلة لاقرار تغيير جذري في قوانين الرعاية الصحية يجعل حصول كل مواطن امريكي على تأمين طبي اجراء طبيعي .. ليس المقصود منح رعاية صحية مجانا .. المقصود هو ان لايوجد شخص لا يستطيع الحصول على تأمين طبي.

الامر هذا شديد التعقيد تدخل فيه عوامل كثيرة متعارضة .. اوباماكير لم يحقق كل مايصبوا له الديموقراطيين لكنه استطاع للمرة الاولى في تاريخ امريكا ان يجعل كل مواطن امريكي مهما كانت حالته الصحية والمادية يستطيع ان يحصل على تأمين طبي.

هذا اختراق كبير جدا ومهم .. الوصول اليه له لوازم عديدة .. الجمهوريين لا يرفضون ان يصبح لكل مواطن امريكي تأمين طبي فهم لا يكرهون المواطنين .. لكنهم يكرهون لزوام حدوث ذلك .. لذلك يمثل لهم اوباماكير اشكالية كبيرة .. لذا فارث اوباما الحقيقي في هذا المجال ليس القانون نفسه .. ولكن تحقيق المبدأ .. الحمهوريين لايريدون الاعتراف بذلك لانهم لو فعلوها لاصبح التخلص من ارث اوباما يعني حرمان بعض الفئات من الرعاية الصحية .. وهم لايريدون ان يكون هذا عنوانا ملتصقا بهم لذا يتلجلجون كثيرا ويناقضون انفسهم باستمرار عند الحديث عن هذا الموضوع.

اذا ابتعدنا قليلا عن التفاصيل والقينا نظرة شاملة على ارث اوباما نجد انه اجنده يسارية بامتياز .. لذا هي تمثل اشكالية كبيرة لليمينيين تجعلهم يتحدثون عن التخلص من ارث اوباما بالكامل .. لكن كثيرا من تفاصيل بنود هذه الاجندة اليسارية تتوافق مع اهداف ورغبات قطاعات واسعه من المستقلين بل وحتى بعض الجمهوريين.

لذلك يواجه الجمهوريين صعوبة كبيرة في تمزيق ارث اوباما كاملا وبسرعه كما ردد بعضهم رغم انهم يجمعون بين البيت الابيض واغلبية في كلا مجلسي الكونقرس واغلبية في مناصب حكام الولايات ولذا نرى تفاوتا في نجاحهم في التخلص من هذا الارث بين بند وآخر وان كان المراقب يرى بوضوح ان سعيهم حثيث وجاد وليس مجرد شعارات انتخابية .. لايمكن ان نعرف الى اي مدى سيبلغ نجاحهم في التخلص من هذا الارث ففترة ادارة ترمب مازالت في بدايتها .. لكننا سنعود لهذا الموضوع مجددا في فترات لاحقة لتقييم مدى نجاحهم في ذلك.

احمد الحنطي
٢٨ ابريل ٢٠١٧
هيوستن .. تكساس