لسنا ملائكة .. وليسوا شياطين

نعتقد اننا خيرين جدا .. وانه لا احد يضاهينا في الكرم والصدقات .. وهذا صحيح لحد ما .. فحب الصدقه والخير من صفاتنا الحميدة .. لكننا في المقابل نعتقد اننا الوحيدين الذين نفعل ذلك .. ونعتقد تحديدا ان المجتمعات الغربية مجتمعات باردة قاسية ميتة الاحساس .. وهذا غير صحيح بتاتا .. سأعطيكم اليوم اربع قصص قصيرة تبين خطأ هذا الاعتقاد.

يوجد في مدينة هيوستن كنيسة كبيرة وشهيرة تقع على احد اهم الطرق السريعة في قلب هيوستن اسمها كنيسة ليكوود .. رغم ضخامة واهمية هذه الكنيسة الا ان قطاعات لا بأس بها من المسيحيين تتحفظ على توجهها بسبب انه غير مذهبي .. كما تعلمون يوجد في المسيحيه مذاهب متعدده اشهرها الكاثوليك والبروتستانت .. هذه الكنيسة تؤمن بالاحتواء وترحب بالمؤمنين بجميع المذاهب.

قبل سنوات قليلة تعرضت هذه الكنيسة لعملية سرقة .. تم خلال هذه العملية سرقة جميع التبرعات التي تلقتها الكنيسة خلال اجازة نهاية الاسبوع .. بالرغم من ان نهاية الاسبوع هي الوقت المفضل للمسيحيين لزيارة الكنائس .. خصوصا يوم الاحد .. وبالتالي تقديم التبرعات .. الا ان ذلك الاسبوع لم يكن مميزا باي حال ولا يحوي اي مناسبة خاصه .. بلغ مجموع المبالغ التي تمت سرقتها اكثر من ٦٠٠ الف دولار .. اذا افترضنا ان هذه تبرعات اسبوع كامل وليس نهاية الاسبوع فقط .. وافترضنا ان هذا الاسبوع يمثل متوسط اسابيع السنه وليس من اقلها .. يصبح مجموع التبرعات السنوية التي تصل لهذه الكنيسة اكثر من ٣١ مليون دولار.

القصة الثانية لمسجد يقع في مدينة صغيرة في تكساس اسمها فيكتوريا .. سكان هذه المدينة حوالي ٦٠ الف نسمه فقط .. واذا اضفت لها الضواحي يصبح عدد السكان اكثر قليلا من مائة الف نسمة .. تحوي هذه المدينة ما يقارب مائة مسلم فقط .. وفيها مسجد واحد .. في وقت متأخر من احد ايام الجمعة .. بالاصح فجر يوم السبت .. احترق هذا المسجد تماما .. التقديرات الاولية لكلفة اعاد بناء هذا المسجد كانت ٤٥٠ الف دولار .. تم رفعها خلال ٢٤ ساعه الى ٨٥٠ الف دولار بعد اعادة تقييم كلفة البناء .. حملة التبرعات التي فتحت للمسجد بعد احتراقه مباشرة تم ايقافها مع بداية الاسبوع لان التبرعات بلغت اكثر من ١.١ مليون دولار خلال نهاية الاسبوع ولم يعد هناك حاجة للمزيد.

قام المسؤول عن المعبد اليهودي الموجود في نفس المدينة والذي يرتاده حوالي ٣٠ شخص فقط بتقديم مفاتيح المعبد لامام المسجد لاستخدامه لصلاة المسلمين حتى تنتهي عملية اعادة بناء المسجد .. عند سؤال المسؤول عن المعبد عن الدافع وراء هذا التصرف اجاب .. عددنا قليل ولدينا مساحه كبيرة .. الشئ المعقول الوحيد هو فعل ذلك .. اقتصاديا ليس من المقبول ان تبقى لدينا مساحه زائدة والمسلمون ليس لديهم مكان لاقامة صلاتهم.

مؤخرا حدثت موجة تهديدات لمعابد يهودية في مختلف ارجاء امريكا .. احد هذه التهديدات تم تنفيذه فعليا بتخريب احد مقابر اليهود في مدينة سانت لويس .. بدأ مجموعه من المسلمين حملة تبرعات بغرض جمع ٢٠ الف دولار خلال شهر للمساهمه في كلفة اصلاح المقبرة اليهودية .. تم ايقاف الحملة بعد ايام قليلة جدا لبلوغ التبرعات اكثر من ٨٠ الف دولار.

القصة الاخيرة حدثت في مدينة اناهايم في ولاية كاليفورنيا .. يوجد في هذه المدينة مطعم راقي .. يعتبر احد الوجهات المفضلة لمشاهير واثرياء المنطقة .. صاحب المطعم المهاجر الايطالي لديه عادة يومية .. وهو انه يقوم بتقديم وجبات مجانية لعدد كبير من الاطفال الفقراء في المنطقة .. لكنه كان يواجه مشكله عويصه .. وهي ان عدد الوجبات المجانية التي يقدمها يفوق عدد الوجبات التي يبيعها .. لذا كان مطعمه دائما يعاني صعوبات ماليه .. عند سؤاله عن سبب فعله لذلك؟ اجاب .. وكيف لا افعل ذلك .. الاطفال جائعون وهم يحضرون الي وعلي تجهيز كمية كافية من الباستا لاطعامهم.

لكن الامر لم يقف عند هذا الحد حيث فوجئ صاحب المطعم في احد الايام عندما وجد مطعمه وقد احترق بالكامل .. بين لحظة واخرى فقد كل ما يملك .. اثناء تغطية وسائل الاعلام المحلية للحدث سأله احد المذيعين .. ماذا ستفعل الآن؟ اجاب .. علينا ان نجد مطبخا بسرعة لتجهيز الطعام للاطفال!!

القصة لم تنته بعد .. فقد اتصل فيه عدد من منافسيه يعرضون عليه استخدام مطابخهم مجانا لتجهيز وجبة اطفال المدينة المحببه .. كما قامت حملة لجمع التبرعات للمطعم استطاعت خلال وقت قياسي جمع مايكفي لاعادة بناءه من جديد.

قصص متعدده من مدن امريكية متعدده تخص افرادا وجماعات ينتمون لاعراق واديان متعدده .. لكنها كلها تتشارك في نفس الامر .. حرص وسعي كبير نحو تقديم الدعم والتبرع للاعمال الخيرية بلا تردد وبمبالغ كبيرة جدا احيانا.

امريكا هي وطن الرأسمالية في ابشع صور توحشها .. وهي الصورة التي نشير لها كثيرا على انها النقيض لكل ماندعوا له من تعاون وترابط في مجتمعاتنا .. دائما نحذر من النموذج الغربي ونصورة بانه الوسيلة الاسرع والانجع لقتل الروابط الاجتماعية .. لكن الحقيقه بعيدة عن ذلك تماما .. هذه القصص وغيرها كثير تثبت ان الرأسمالية والبراقماتيه مهما بلغ توحشهما ليسا عاملا حقيقيا لفك ترابط وتعاون المجتمعات ولا لقتل مشاعر حب الخير ومساعدة الآخرين.

هذه المبادئ تنبع من ثقافة المجتمع نفسه وتوجه افرادة بغض النظر عن مبادئهم الاقتصادية والعملية .. يمكن للشخص ان يكون منافسا شرسا على كل فرص الربح يعمل ليل نهار لاعتصار كل قطرة نجاح وتقدم .. ليعود آخر النهار ويقدم جزءا كبيرا من مكتسباته لمساعدة غيره وللمحافظة على ترابط وتماسك مجتمعه ومساعدة الاقل حظا من افراده.

لذا رجاء توقفوا عن تخويفنا وشيطنتهم .. انزعوا عنا عباءة الملائكية .. فلسنا ملائكة .. وهم ليسوا شياطين .. لدينا الكثير مما يفتقدونه .. ولديهم الكثير من الاخطاء التي يجب علينا تجنبها .. لكن لديهم ايضا الكثير من الخير الذي يمكننا ان نتعلمه.

احمد الحنطي
هيوستن .. تكساس
٢٦ فبراير ٢٠١٧